(مسخ كافكا)…لماذا يتحول البشر؟!
عدسة الفن – نرمين فرحان
ماذا لو استيقظت يوماً لتجد نفسك تحولت الى حشرة ضخمة؟ ان مجرد البقاء على هذه الصورة امر مرعب وغير محتمل والانتحار هو الحل الممكن. (المسخ) رواية واقعية عجائبية تنتمي الى المذهب العبثي في الأدب، تعالج موضوعات مرتبطة بالحداثة ضمن إطار مثير وشيق يجعلك متشوقاً لاستكمال أحداثها الى النهاية.
(المسخ) رواية باللغة الالمانية للكاتب التشيكي المبدع (فرانز كافكا) أو كما يطلق عليه (رائد الكتابة الكابوسية)، حيث يعد احد أفضل أدباء الألمان في فن الرواية والقصة القصيرة، تصنف أعماله بكونها واقعية عجائبية. نشرت الرواية لأول مرة عام (1915) وتعتبر من أشهر اعمال القرن العشرين وأكثرها تأثيراً نظراً لأنها تعالج موضوعاً خطيراً وتبين كيف يؤدي الخضوع للقسر الاجتماعي الى تدمير استقلالية المرء وطموحه ونظرة المجتمع الى الفرد المختلف كحشرة، وهذا ماحدث لبطل الرواية (جريغور سامسا) الذي استيقظ ذات صباح من احلام مزعجة ليجد نفسه وقد تحول في فراشه الى حشرة عملاقة وهو ماجعل الرواية تقع في دائرة غير المألوف والغريب المرعب، حيث أصبح مسخاً لانه حاول الخروج عن القانون الذي يقتل فيه انسانيته في مجتمع مرعب ومحاولة التخلص من الأغتراب الذي يعانيه، اغتراب عن العمل والأسرة والمجتمع والجسد وحتى عن نفسه، لقد استطاع (كافكا) بدرجة عالية من الصدق الفني صياغة حقيقتنا في سياق تحولاتنا اذ يلغي التحول الى حشرة مايسمى بـ(العالم الإنساني)، مبيناً الانفصال التراجيدي بين الجسد والروح .
تحاكي الرواية نظرة المجتمع الى الفرد والتي تحدد حسب الفائدة المادية التي يمكن ان تجنى منه، وقيل عن هذه الرواية انها القصة الأكثر كمالاً والأكثر شهرةً في القرن العشرين، حيث اختار (كافكا) في هذه الرواية كما في كتابات اخرى له ان تكون قضيته (الانسان) فهو يعالج البشر بصفتهم بشراً لا أعضاء في جماعات معينة.
وفِي عام (1976) اخرج المخرج السويدي (ايفو دفوراك) فيلماً مستوحى من الرواية، وتحولت الرواية أيضا الى فيلمين طويلين احدهما من (روسيا) والآخر من (الأرجنتين)، وفيلم رسومي قصير أنتج عام 1977 بعنوان (تحول السيد سامسا) للأميريكية (كارولين ليف)، كما نقلت الرواية الى التلفزيون من خلال أربعة مسلسلات، ابرزها المسلسل البريطاني المنتج عام 1987 والذي يحمل نفس اسم الرواية وقام فيه الممثل(تيّم روث) بأداء شخصية المسخ (سامسا). لقد بين المؤلف في هذه الرواية حقيقتنا باقصى درجات من الصدق الفني والشفافية، والحقيقة المرعبة لهذه القصة هي الإدراك ان اجمل العلاقات بين الناس وأكثرها رقاً وحناناً إنما تقوم على الخداع.