نوافذ سينمائية

Paterson … سيمفونية ملحمية بنغمات هادئة

مرتضى فاضل

يقال ان اردت الابداع فكن مستقلا، وهذا مايفعله المخرجين العظماء احيانا، مثل (جيم جارموش) بفلمه الفلسفي والمعبر عن الروتين اليومي لإنسان بسيط يقضي حياته في البيت والعمل والبار، حياة يقال عنها بأنها ربما مملة عندما نكون بلا هدف، لذلك سنشعر بملل من الروتين اليومي والتكرار المستمر، بطل الفيلم يدعى (باترسون) الرجل الذي يعشق زوجته ويحب شاعره المفضل (ويليام كارلوس ويليامز)، اذ يؤدي (ادم درايفر) دور انسان ربما يقال عنه شاعر يُعبر عما يمر به وهو يؤدي عمله يوميا، الفيلم وأن كان من النوع الممل الا ان التكرارات التي رأيناها تعطي لنا بصمة واضحة عن عمل المخرج وكانه يقول لولا تلك التكرارات لما انتبه المشاهد الى تلك الاحداث البسيطة، فاعواد الثقاب وعودته من العمل عصرا ومحاولة اعادة عمود البريد الى مكانه ماهي الا لمسات عظيمة قام بها المخرج دون أن يكون هذا التكرار مملاً، بل كان عنصراً بنيوياً وجمالياً في القصيدة، وفي فيلم (جارموش) ايضا.
الفيلم ليس له حبكة تقليدية، وإنما عبارة عن مجموعة واسعة من المشاهد والمواقف التي يقوم فيها (باترسون) بشكل أساس بدور الملاحظ، اذ يلاحظ، يتأثر، يعبر، فيخرج شعرًا، وتخرج زوجته أحلاما وفنا، وتلهمه لكتابة الشعر وهكذا في دائرة إبداعية رائعة لا تنتهي، كذلك لا يمكن إغفال الدور الهادئ الذي قدمته الإيرانية الجميلة (فراهاني)، إذ اختيار (جارموش ) لها كان لأجل أن يعكس حجم التنوع العرقي في المدينة عبر قصيدة نثرية، حتى عندما يذهب الزوجان للسينما يختاران فيلم رعب يعود تاريخه لعام 1932 (جزيرة الأرواح الضائعة) لـ(إيرل كينتون) بهذه القصائد، التي حولها جارموش لموسيقى بصرية هادئة، تسير مجريات الشريط، ليجد المتفرج نفسه منتظرا المزيد من القصائد التي يكتبها سائق الباص، مبرزا المتناقضات بين العولمة التي تمثلها (فراهاني) بأداء ساحر و(درايفر) الذي يرفض اقتناء أي شيء له علاقة بالعولمة، ما جعلنا نمضي متعة حقيقية ضمن مشاهد أنيقة جدا لحياة هادئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى