المافيا الايطالية (Anime nere)
مهند النابلسي/ الاردن * العدد:48
الفيلم الايطالي (الارواح السوداء) لعام 2014، مبني على احداث حقيقية، تسرد العنف المتناقل عبر الأجيال في منطقة (كالابريا) الريفية، ويتحدث عن حكاية ثلاثة اشقاء: (لويجي) و(روكو) اللذان يعملان في المافيا، و(لوتشيانو) المزارع المتواضع ومربي الأغنام، والذي يعاني من مشكلة جموح ابنه العنيد (ليو) الفاشل دراسياً والمنجذب لأعمال أعمامه، فينخرط في العنف والبلطجة ويتسبب بمشاكل لأبيه وعائلته.
الفيلم شيق للغاية وخاصة في آخر 75 ثانية، حيث يفاجئنا بأربع حالات اغتيال غير متوقعة، ويجذبنا المخرج بأسلوب سرد واقعي متواتر وبطيء، ولا نستدل ابداً على الذروة التصعيدية الفريدة، والتي لم نعهد مثلها في أفلام العصابات الايطالية، حيث يقتل الأخ الأكبر المزارع الهادىء شقيقه (روكو) مع ثلاثة من اعوانه بدم بارد وعن تخطيط مسبق.
أما حبكة الفيلم فهي بسيطة اذ تتحدث عن ثلاثة أشقاء متورطين في الاجرام العائلي الموروث ونلاحظ من عنوان صحيفة قديمة (يحتفظ بها لوتشيانو) أن والدهم قد قتل غدراً في تصفية ثأرية، ونرى رفض (لوتشيانو) المزارع الهادىء عرض شقيقيه للعيش في ميلانو، مكتفيا بأراضيه في المرتفعات واغنامه ولا يطمح بمغريات المدينة وقد ادى دوره وانقلابه المفاجىء لذروة درامية فريدة غير متوقعة، أكسبت الفيلم ميزته التنافسية امام فيلم العراب الشهير، وأدخلنا مذهولين لمسار جديد ونهاية لافتة لم نعهدها سابقاً في معظم افلام العصابات الايطالية الدارجة. كما نفاجأ بالسياق الاجرامي لابن الراعي الذي تغلي في عروقه دماء الاجرام المتوارث، ولكن بالرغم من سرعة بديهيته وتفاعله فانه يفتقد لحس التوقع والحذر، مما يوقعه في آتون تهوره الشبابي المرتجل، مرتكباً الأخطاء القاتلة في بيئة مترصدة ومتعشقة للاجرام وتصفية الحسابات. مخرج الفيلم الفذ ينهج اسلوبية بطيئة مقصودة لبناء التشويق الدرامي تمهيداً للذروة الدموية الغير متوقعة، يتماثل الفيلم مع فيلم (العراب) من حيث طريقة تقبل العزاء في بيت (لوتشيانو) الريفي، وبتفاصيل القداس الجنائزي الكنسي المهيب، وكيفية التخطيط الهادئ للرد الانتقامي الثأري على مقتل الأخ، كما نرصد التوتر والقلق على وجه (لوتشيانو) وكأنه ينتظر تلقائياً خبراً سيئاً عن ابنه الذي اختفى دون أن يعلم احد وجهته، ثم بكيفية اخبار العم (روكو) بخبر الاغتيال أثناء القداس، ونرى تحضيراً مأتمياً للنهاية الفاجعة يتمثل بتجمع الأغنام في واجهة المنزل وداخله، وكيف يخفي (لوتشيانو) حزنه الهائل وانفعالاته قبل ان ينهار صارخاً، ثم يقوم بالمساء بحرق كافة وثائق وصور العائلة العتيقة والحديثة، وكأنه يخطط بصمت لعمل مريع قادم.!
*باحث وناقد سينمائي