نوافذ سينمائية

(Driving Miss Daisy) …عندما يتغلب الحب على التعصب

‏ايمن محمود

الفيلم الجوهرة هو اقل وصف ممكن استخدامه للتعبير عن فيلمنا، ستسألني لما المبالغة؟ وسأجيبك: رافقني بهذه الرحلة التعريفية عن الفيلم وربما ستقتنع بهذا الوصف.
(توصيل الآنسة ديزي) هو فيلم حول حبٍ عظيم، ويحكي قصة تستغرق 25 عاماً لتُكتشّف، وبذلك نتعرّف على الشخصيات بعمق، ومع نهاية الفيلم نكون قد سافرنا في رحلة طويلة مع أهم شخصيتين فيه (الآنسة ديزي ويرذن)، وهي امرأة عجوز مغرورة، وسائقها الخاص (هوك كولبرن.(
الفيلمٌ رقيقٌ وحسّاس لدرجة تصعب معرفة أهم المعلومات والتفاصيل من النص السينمائي وحده، لأنّ لغة الجسد، والنغمة والصوت، أو نظرةِ عينٍ قد تكون من أهم الأمور في المشاهد، وهذا ما ميز الفيلم من الناحية التصويرية ، ستشعر بكل كلمة ووقعها على الابطال بل حتى حركة العين البسيطة من الممكن ان تكون لها دلالة مهمة في الفيلم والتعبير عن مشاعرهم.
كما نراها في بداية الفيلم، لا تزال الآنسة (ديزي) مفتخرة باكتفائها الذاتي، ممتلئة بالعنفوان والغرور، إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي تصطدم السيارة التي تقودها بالحائط وتقتحم مزرعة الجيران، ليضع ابنها القرار النهائي: لقد حان الوقت لتوظيف سائقٍ خاص.
ترفض وبشدّة: ” لا حاجة لهذا الشيء! كم هو مزعجٌ وجود خدمٍ في المنزل على أيّة حال”، هذا ما تقوله الآنسة ديزي، لكن ابنها يقوم بتوظيف سائق بالرغم من عدم تقبّلها للأمر وهو (هوك.(
أسلوب (هوك) في العمل يعتمد على الصبر اللا محدود، والذي أدّى دوره بإبداع الفنان المخضرم (مورغان فريمان)، (هوك) لا يتملّق ولا يجامل، وهو حكيم جداً ورقيق وحاد الإدراك وصبور، يعاني دوما من عنصرية (ديزي) ولكن دائما الرد يكون لطيفا من قبله.
المخرج ثابر على تحريكنا خطوة تلو الأخرى نحو قلوب الشخصيات، لم يخطئ أبداً في تغيير مسارنا، إلى أن نصل لمشهدٍ أخيرٍ مشرق، يدعونا فيه إلى تقدير أحد أثمن أسرار الحياة، تلك اللحظة التي يقوم فيها شخصان برؤية بعضهما من الداخل، لحظة الصمت، لحظة حديث القلوب.
الفيلم قدم أفضل تجسيد سينمائي لشخصية تسير نحو مراحل الشيخوخة، وبادق تفاصيلها، واظهار رونق الصداقة الحقيقية ودورها المهم في الحياة، وبهذا استحقت (جيسيكا تاندي) وبكل جدارة جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، وبذلك تكون قد حقّقت رقماً قياسياً بكونها أكبر ممثلة تفوز بالجائزة، فقد كان عمرها 81 عاماً.
ولا ننسى الاداء العظيم لـ(مورغان فريمان) والذي اعتبره شخصيا افضل اداء له طوال مسيرته السينمائية.
حاز الفيلم أيضاً بعام 1989 على ثلاث جوائز وهي أفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس، وكذلك جائزة أفضل مكياج، والتي استحقها حقاً، فقد بذل الفنّيون جهداً في إظهار الممثلين بالشكل المطلوب مع مرور الاعوام في القصة. ترشّح لنيل خمس جوائز أخرى، لأفضل ممثل (مورغان فريمان)، وأفضل ممثل مساعد (دان آيكرويد) الذي أدّى شخصية (بولي) ابن الآنسة (ديزي) بشكل مميز، وأيضاً لأفضل تصميم مواقع، وأفضل تصميم أزياء، وأفضل مونتاج، الموسيقار العظيم (هانز زيمر) أضاف للفيلم لمسة مميزة بموسيقاه المؤثرة والمنعشة.
فيلم (توصيل الآنسة ديزي) من إخراج الأسترالي (بروس بيرسفورد)، وشاركه الإبداع الكاتب (ألفريد أوري).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى