(Amadeus)…السّيرة الذّاتيّة كما يجب أن تكون
مراد البلاونة/ الاردن
المُخرج الرّاحل (ميلوش فورمان)، رمز من رموز السّينما الأمريكيّة، كيف لا وهو صاحب التُّحفة الخالدة (أماديوس) للعام 1984.
من منّا لا يعرف المُلحّن العظيم (وولفغانغ أماديوس موزارت)، ذلك الرّجل الذي أبهرنا بألحانه وأسمعت موسيقاه من بهِ صَممُ، الفيلم يُحدّثنا عن هذا الأسطورة، عن جانبه الآخر وتوضيح خفايا شخصيّته، وعن غيرة (أنتونيو ساليري) من عظمة (أماديوس(
جمال الفيلم إنطلق منذ البداية، عندما نسمع صراخ شخص غريب يقول: ” لقد قتلت موزارت”، وإذ بنا نكتشف أن هذا الرّجل هو المُلحّن الكبير (أنتونيو سالييري)، لكن هل بالفعل (سالييري) قتل (موزارت)؟ هذا ما سنكتشفه في الثلاث ساعات العظيمة القادمة من الفيلم.
عظمة الفيلم بأنّه لم يتمحور حول السّيرة الذّاتيّة لـ(سعى الامراء ) فقط، بل وضٌح لنا كمّية الحقد والغيرة الكامنة داخل (سالييري) تجاه (أماديوس)، وإلى ماذا قادته غيرته المجنونة.
يتكوّن الفيلم من ثلاث مراحل أساسيّة، أوّلها كانت مرحلة التّعريف بشخصيّة (موزارت) وتوضيح عبقريّته في الموسيقى الّتي رافقته مُنذُ الصّغر، حيثُ كانت موسيقاه علامة مُسجّلة يسعى الأمراء وكُل أصحاب النّفوذ لسماعها والاستمتاع بها.
لكن عبقريّته في العزف لم تنعكس على شخصيّته، هذا ما وضّحه لنا (سالييري) بحديثه عن لقاءه الأوّل مع (موزارت)، فيذكر بأنّه شاب ذو شخصيّة بذيئة، يستمر بملاحقة الفتيات ولا يعرف شيئا عن إحترام غيره مهما علا شأنه، فهُنا قد رسم لنا الفيلم صورة صادمة عن (موزارت)، لكن هذا لم يمنع الجميع من الإعجاب بعبقريّته في العزف وتأليف الألحان.
في المرحلة الثّانية من الفيلم نرى ذروة فن (موزارت)، عندما نرى (سالييري) يرضخ لعظمة (موزارت) ويعترف بأن ما سمعهُ كان شيئاً مُبهراً، حيثُ نرى في إعترافه مزيج من الإعجاب والحسد، وهنا بدأ (سالييري) بالتّخطيط للإنتقام من (موزارت) وتدميره إلى الأبد.
من الشّخصيات التي كان لها تأثير كبير على شخصيّة وحياة (موزارت) هي شخصيّة والده، فعند موت والد (موزارت) الذي كان لهُ نفوذ واضح على شخصيّة إبنه، تبدأ المرحلة الثّالثة والأخيرة ليس فقط من الفيلم بل من حياة (موزارت) أيضاً، عندما قدّم لنا (موزارت) موسيقى (دون جيوفاني) المُرعبة التي أظهر فيها رثائه لأبيه، في هذا الوقت رأى (سالييري) بأنّها الفُرصة المُناسبة لرسم خُطّته التي ستمكّنه من تدمير أسطورة (موزارت) للأبد.
على الصّعيد الفنّي فالفيلم وصل أقصى مراحل الإبداع، المُخرج (ميلوش) وضع كُل جُهده في هذا الفيلم، أمسك بأيدي جميع المُشاهدين وعاد بهم إلى القرن الثّامن عشر بكل قوّة، شخصيّا أنا لم أستطع إيقاف الفيلم للحظة واحدة رُغم مدّة عرضه الطّويلة.
أداء المُمثلين كان مُذهل، إستطاع (توم هولس) أن يرسم لنا معالم (موزارت) بكل بذائته ومزاحه السّوقي، وخاصةً ضحكته السّاخرة، ولكن لسوء حظ (توم هولس) أنّه ترشّح أمام (موراي إبراهام) للأوسكار في فئة أفضل مُمثّل بدور رئيس، لأن هذا الأخير قام بدور (سالييري) بشكل أكثر من خيالي وتمكّن من إظهار كُل مشاعر الغيرة والحسد والإعجاب في مزيج مُذهل وغريب.
الموسيقى التّصويريّة في الفيلم عبارة عن ضرب من الخيال، كيف لا وهي موسيقى (موزارت) نفسه ليؤكد المُخرج في هذه الخطوة على كلاسيكيّة عمله.
كما يجب أن أثني على بقيّة العوامل الفنّيّة، من تصوير رائع لديكورات وملابس أروع، أعادتنا بالفعل لمنتصف القرن الثّامن عشر.
في النّهاية لا يسعني إلا أن أشكر طاقم العمل أجمع على هذه التُّحفة الفريدة من نوعها، أشكر أيضاً المُخرج (ميلوش فورمان) على تقديمه درساً قاسياً للمُخرجين في كيفيّة إخراج السّيرة الذّاتيّة وتقديمها للمُشاهدين بأفضل صورة.