نوافذ سينمائية

ارواح تائهة تجمعها الوحدة…(On Body and Soul)

بينيل عامر/ تركيا

(في الأحلام تبدأ المسؤولية)، هكذا يقول الشاعر (ويبي ييتس)، ولكن هل يمكن أن تبدأ الرومانسية هناك أيضا؟
هذا هو مفهوم فيلم (عن الجسد والروح) لعام 2017، الفيلم الحساس الذي يستخدم فكرة توأم الروح ليلقي على المشاهد لمسة ساحرة عجيبة، الفيلم ذو قصة بسيطة يتكلم عن حب بين رجل كبير في السن وامرأة لديها متلازمة (اسبرجير)، وكيف يمكن للأحلام أن تشعل نيران الصداقة، حيث يبدأ الاثنان مع بعض برؤية نفس الأحلام عند النوم، يا له من شيء غريب وساحر.
سأرغب أن أدعو هذا الفيلم بأكثر فيلم رومانسي هادئ غير مألوف شاهدته في الفترة الأخيرة، فأنت أمام فكرة رائعة ببساطتها، وهي فكرة تخلط بشكل مذهل الأحلام مع أمور هذا الكون المملة.
أنت هنا ستشعر بسحر الفيلم منذ أول مشهد تقريباً وأقصد ذلك المشهد الذي لم يبدأ بشخصيات بشرية إنما لمناظر طبيعية شتوية مذهلة وإثنين من الغزلان يتجولان وحدهما في هذه الطبيعة الخلابة الممتلئة بالأشجار العارية والأرض الثلجية، هم يقفون معاً، أجسادهم تتلامس، وأرواحهم تحلق في الغابة.
ومن ثم سنصل إلى العالم الحقيقي الممل، وسنرى مشهد لمسلخ كبير للحيوانات، لنرى أبقاراً سرعان ما سيشهدون نهايات وحشية، أبقاراً تنظر إلينا بحذر نحو الشاشة، وتدعو بعينيها، وكأنها تشكو من مصيرها.
ومن ثم سنبدأ برؤية البشر، بطبائعهم الروتينية المملة وتصرفاتهم السطحية، سوف نستمر بالسير مع كل هؤلاء، حتى فجأة، تظهر تلك الفتاة التي سيلاحظها شخص ما، هو على ما يبدو سيكون بطلنا في الفيلم، ويا لتلك اللحظة التي رأى فيها لأول مرة تلك الفتاة، ويا لتلك اللحظة التي رأته هي.
المخرجة هنا مزجت الحلم مع الواقع فصنعت فيلم عجيب يبدو كالحلم، إذ خلطت ببراعة العناصر السينمائية المتعارفة مع أفكار غير مألوفة، دمجت بطل وبطلة الفيلم معاً وجعلتهما روحاً واحدة بطريقة هادئة وغير متسرعة.
الفتاة مبهرة وآسرة للقلوب، هي ضعيفة بطبيعتها ولكن جريئة بتصرفاتها، في المقابل يوجد أمامها رجل وحيد في منتصف العمر، لا يتكلم كثيرا، ويحاول دوما ان يكون عقلانياً.
إن هذا الكون كبير جداً على كائنات صغيرة وبسيطة مثلنا نحن يا اصدقائي، قد نعيش وحيدين لفترات طويلة من حياتنا وقد نبدأ بالانغماس مع هذه الوحدة والانخراط بها عميقا، قد ننسى العالم الخارجي وقد ننسى أنفسنا داخل الوحدة، ولكن وأنا متأكد من كلامي هذا، سيكون هنالك ذلك الكائن الذي سيخرجك من كل تلك الوحدة التي تعيشها، ستصادف كائنا ما ستشعر منذ أول لحظة إنك لا ترغب بخسارته، ستتبادل معه لحظات ومشاعر غير مفهومة بالبداية، وتبدأ بالاهتمام له وتدخل معه وستبني معه عالمكما الخاص، سيحولك هو إلى إنسان أفضل، وسيخلق بداخلك ذكرى لن تنساها، إن هذا الشخص يسمى توأم الروح، وأنا أؤكد لك يا عزيزي القارئ الذي يجلس بوحدته الآن، إنك تملك توأماً روحياً ولكنك لم تقابله بعد.
هذا ما يحاول أن يوضحه لنا هذا الفيلم الذي عند مشاهدتي له، لم أكن أرى شخصيات، انما كنت أرى ارواح تائهة متفاهمة تتطاير مع بعضها هنا وهناك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى