سيرة فنان

سيدة الشاشة العربية التي سرقت قلوب الملايين … فاتن حمامة

تحرير عبد الرضا

توقع الكثير لها النجاح والشهرة بسبب ملامحها الجميلة والاداء الساحر عندما ظهرت في اول ادوارها، لكن لم يدرك احدهم انها ستصبح احدى ايقونات السينما العربية وتستحوذ على لقب السيدة لهذه الشاشة وبكل جدارة، فاتن حمامة، هذا الاسم الذي خلده التاريخ بكل الرقة والابداع، مر على رحيلها يوم امس ثلاث سنوات، واليوم تضيء بسيرتها صفحة فنان لهذا الاسبوع.

 

ولادتها
ولدت فاتن احمد حمامة في 27 ايار عام 1931 في السنبلاوين أحد مدن الدقهلية في مصر وذلك حسب سجلها المدني لكنها وحسب تصريحاتها ولدت في حي عابدين بالقاهرة، برغم أن شهادة ميلادها مسجلة بالمنصورة. والدتها هي (زينب توفيق) ربة منزل، ووالدها من كبار موظفي وزارة المعارف (التعليم حاليا) وكان يعمل بمدينة المنصورة، ترتيبها الثانية بين أشقاءها الثلاثة وهم منير وليلى ومظهر.

 


نشأتها وشخصيتها
كان لدى والدها الإيمان الدائم بتميزها، فعندما قرأ إعلان عن مسابقة أجمل طفل، اشترى لها فستان جديد والتقط لها صوراً وأرسلها إلى لجنة المسابقة لتفوز بأولى جوائزها وعمرها 6 سنوات، أحبت الفن منذ سن مبكرة جداً عندما اصطحبها والدها للسينما وشاهدت فيلم لآسيا داغر، وحلمت أن تكون ممثلة حين سمعت التصفيق الحار. قرأ والدها إعلانًا في الصحف للمخرج الرائد (محمد كُرَيم) يطلب ممثلة طفلة فبعث له بصورتها، وبالفعل سافرت إلى القاهرة وتمت مقابلتها، حيث أعجب بها للغاية وقام بتغيير السيناريو لإعطائها دورا أكبر، بعدها رفض والدها عدة عروض سينمائية حرصًا على دراستها.
انتسبت إلى معهد التمثيل الذي أنشأه زكي طلميات فكانت من ضمن أول دفعة لتتخرج عام 1947، وفي عام 2003 تسلمت شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية ببيروت‏.
تميزت بالضحكة الخجولة والجمال الانيق الذي يذكرنا بالاميرات، الرقة الممزوجة بالتمرد، إلى جانب الموهبة العارمة، لكنها طالما امنت ان للعقل اولوية، وعندما سألت فاتن حمامة : ماذا يثير أعصابك؟ قالت بسرعة ومن دون أن تفكر: الغباء. حاولت دوما في اعمالها تقديم صورة الفتاة الطيبة والمحافظة لذلك بكت كثيرا عندما قام احد الحضور بشتمها اثناء عرض فيلم (لا انام) عندما مثلت فتاة شريرة.

 

 

زواجها
تزوجت 3 مرات، الأولى في عام 1947 من المخرج (عز الدين ذو الفقار) أثناء تصوير احد الافلام ليرزقو بابنتهم (نادية)، انتهت العلاقة بالطلاق عام 1954، لتتزوج عام 1955 من الفنان عمر الشريف الذي تداولت الاشاعات وجود قصة حب نشأت بينهما بعد لقائهم في فيلم (صراع في الوادي) ليحظوا بابنهم (طارق) وبعدها تم الطلاق عام 1974، صرح عمر الشريف قبل وفاته : “لم أحب أو أتزوج بعد فاتن حمامة فهي المرأة الوحيدة في حياتي وحبي الأول والأخير، بقيت على ذمتي لمدة عشرين عاماً دون أن أراها حتى طلبت مني الطلاق”. بينما صرحت فاتن: “شعرت أمام كلمات عمر الشريف الرقيقة في أول لقاء، بأنني تلميذة صغيرة”. تزوجت بعدها دكتور الاشعة (محمد عبد الوهاب) عام 1975 وبقيت معه حتى وفاتها.

 


سيرتها الفنية
اول ادوارها كان في فيلم (يوم سعيد) عام 1940 امام الموسيقار محمد عبد الوهاب وهي طفلة، تتالت عليها العروض للتمثيل فقدمت افلام مثل (رصاصة في القلب)، (ملاك الرحمة) و(القناع الاحمر) لتدخل مرحلة وهي الميلودراما وكان عمرها آنذاك 15 عاماً.
وفي منتصف عام 1947 طلب إليها صديق والدها المخرج عز الدين ذو الفقار التمثيل في فيلم (أبو زيد الهلالي) ليتم الزواج بعد عملهما سوية، بعدها قدمت عدة أفلام ساهمت بتعزيز إسمها كنجمة خصوصا مع تقديمها لادوار خالفت الصورة النمطية للمرأة انذاك ومنها (المليونيرة الصغيرة)، (اليتيمتين)، (بابا امين) و(لك يوم يا ظالم)، (وداعا يا غرامي)، (ابن النيل)، (لحن الخلود)، وفيلم (صراع في الوادي) الذي غير مجرى حياتها بلقائها وزواجها من عمر الشريف، (ايامنا الحلوة)، (موعد غرام)، (لا أنام)، (سيدة القصر) و(بين الأطلال) لتصل لبطولة فيلم (دعاء الكروان) الذي يعتبر احدى روائع السينما، اذ يرى معظم النقاد أنها وصلت إلى مرحلة النضج الفني مع هذا الفيلم التي قدمت فيه شخصية معقدة نفسيا عن فتاة تقع في حب الشخص الذي جاءت تنتقم منه.
خلال الستينيات أصبحت مقلة في أعمالها خصوصا بعد مغادرتها مصر لظروف سياسية لم تعد بعدها الا عام 1971، فقدمت فيلم (نهر الحب) الذي مثلت فيه دور زوجة تهجر زوجها من اجل حبيبها، وفيلم (الباب المفتوح) الذي وصف بان فيلم اعد للمستقبل بسب افكاره واقتباساته المتداولة الى الان، كما قدمت فيلم (الحرام). بعدها تخلت بإراداتها عن أدوار الفتاة العاشقة، وقفزت خطوة واسعة إلى أدوار الأمومة، فقدمت فيلم (الحب الكبير)، ومسلسل (أريد هذا الرجل)، فيلم (امبراطورية ميم) الذي حصد جوائز مختلفة، وفيلم (اريد حلاً) عام 1975 الذي تزامن بعد طلاقها من عمر الشريف فتحدث عن مشكلة الطلاق وصعوبة الإجراءات القانونية على السيدات في البلاد العربية، لتقوم الحكومة المصرية بطرح قانون جديد للأحوال الشخصية كان مقدمة لاعتماد قانون الخلع بعد ذلك. كما قدمت المسلسل الإذاعي (البراري والحامول) وفيلم (افواه وارانب)، (ولا عزاء للسيدات) و(حكاية وراء كل باب). ومثلت فيلما بعنوان (رمال من ذهب) مع نجم فرنسي الا انه لم يكتب له النجاح.
بدأت بعدها تغيب عن الأضواء لفترات طويلة وتعود بعدها بعمل مثل (ليلة القبض على فاطمة) و(يوم حلو يوم مر)، و قدمت المسلسل الأشهر (ضمير أبلة حكمت) عام 1991، اما اخر اعمالها السينمائية كان فيلم (ارض الاحلام) ومسلسل (وجه القمر) عام 2000.

فيلم مميز
اداؤها في فيلم (الحرام) كان النقطة الاساسية لاختيار هذا الفيلم كعمل مميز لسيرتها، يوصف الفيلم بأنه الأكثر قسوة في تاريخ السينما المصرية، قصته عن سيدة ريفية تضطر للعمل بدلاً من زوجها المريض كل يوم، وامام العمل المضني والفقر، يقوم وغد بالتعدي عليها ذات صباح في الحقل، مستغلاً ضعفها، الظلم انها لا تحمّله الذنب بل تقرر عقاب نفسها فقط نظرا لمجتمعها القاسي، فتطوف الارجاء مكسورة، ذليلة، لتزداد الامور صعوبة عندما تكتشف أنها حامل، فلا تجد الا السفر والعمل بعيداً، بسبب الشعور بفعل الحرام وكأنها هي الجانية الوحيدة، فتعاقب نفسها لانها لم تقاوم بما يكفي.
اداء فاتن حمامة في مشهد الولادة أسفل الشجرة المنعزلة، ستقف مبهوراً امامه، مصدوما من تعابير وجهها المتغيرة بين الألم والخوف لتصل الى الحزن والحسرة معها بعد موت وليدها خنقاً، لك ان تتخيل حجم الموهبة لتنتقل هذه الفنانة بملامح وجهها فقط بين كل هذه المشاعر فتصيبنا برجفة بقلبنا في لحظات، ترشح الفيلم لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1965 ونافس بقوة عليه، كما تم تصنيفه في المركز الخامس ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

 


الجــوائز
حصلت على الكثير من الجوائز والتكريمات، اولها عام 1963 في مهرجان جاكرتا السينمائي لجائزة افضل ممثلة عن دورها في فيلم (الباب المفتوح)، كما حصلت على جائزة افضل ممثلة في مهرجان قرطاج الدولي عام 1988 عن دورها في فيلم (يوم حلو يوم مر)، وفي احتفال السينما المصرية عام 1966 بمناسبة مرور 100 عام على نشاطها تم اختيارها كافضل ممثلة في تاريخ السينما المصرية واختير 18 فيلم من اعمالها من ضمن افضل 150 فيلم مصري، وحصلت على جائزة نجمة القرن من منظمة الكتاب والنقاد المصريين عام 2000، وفي نفس العام تكرمت بوسام الارز من لبنان، كما فازت بوسام الكفاءة الفكرية من المغرب، والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001، كما كرمت بميدالية الشرف من قبل كلٍ من جمال عبد الناصر و محمد أنور السادات وميدالية الاستحقاق من ملك المغرب الحسن الثاني بن محمد، وحصلت على وسام المرأة العربية من رفيق الحريري.

وفاتها
توفيت فاتن حمامة في مساء يوم السبت الموافق 17 كانون الثاني عام 2015 عن عمر يناهز 84 عام على إثر سكتة قلبية في منزلها في القاهرة وودعها جمهورها بجنازة شعبية حاشدة.
قدمت على مدى مشوارها الفني الطويل ما يقرب من 94 فيلماً سينمائياً، مسيرة بدأت بفيلم (يوم سعيد) واخر محطاتها (أرض الأحلام)، وما بين السعادة التي اكرمتنا بها والاحلام التي اخذتنا اليها حصدت لقب (سيدة الشاشة العربية) بجدارة، كان من الممكن أن يسقط ويُنسى كما سقط كثير من الألقاب، ولكن ذكاءها وقدرتها على الوصول للقمة والمحافظة على مكانتها الرفيعة جعل هذا اللقب حقيقة خالدة، ما جعلنا نحن والذين سيأتون من بعدنا نتذكرها بمحبة واعجاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى