خمسون مليون مشاهد، لم يرَ أحدهم الحقيقة…(Quiz Show)
اسل الصفار/امريكا
تدور أحداث الفيلم حول الغش، غش في برنامج مسابقات تلفزيوني ناجح بمرحلة الغزو التلفزيوني للبيت الأميركي خلال الخمسينيات، المخطط هم اللاعبين الكبار، اصحاب الملايين، اما المنفذ هم اللاعبين الصغار، مُنتجي البرنامج والمتسابقين، والمغشوش هُم المشاهدين، الغاية مِن الغش هو المال.
الفيلم مبني على قصة حقيقية، قصة برنامج (Twenty One) الذي كان يغش في مسابقاته لغرض إبقاء او إخراج متسابق معين، إبقاء من يتسم بصفة معينة، كالوسامة مثلاً، لغرض جلب مشاهدين أكثر حول الشاشة، والذي يؤدي لأرباح أكثر للشركة التي تعلن منتوجها في اثناء عرض البرنامج.
يتعامل الفيلم بذكاء مع العامل الإنساني لهذه القصة، فهناك عامل الجشع (بالتأكيد)، عامل الغيرة، الطموح، النزاهة، العزم على تحقيق العدل، الصداقة، العائلة، الموقع الإجتماعي، وتأنيب الضمير، فيأخذ المخرج كل عامل منها، يحلله أمامنا بوضوح، بتفصيل غير ممل، ويطرحه بشكل سلس ومثير دون إستراحة مِن أول لآخر دقيقة بالفيلم.
لم يكن لهذا العمل أن يصل درجة نجاحه الفني مِن غير الطاقات الرائعة التي أستغلّها المخرج بذكاء من كادره التمثيلي، حيث يقدّم الممثل (جون تورتورو) أعلى نقطة بسيرته الفنية من خلال ادائه شخصية (هيرب)، المتسابق الذي يتم إقصائه من البرنامج وتبديله بمتسابق آخر أكثر وسامة. فنود كمشاهدين، بناءً على أدائه، أن يفوز، أن يخسر، أن يسكت، أو أن يختفي من الوجود نسبة الى تجسيده الكامل لتلك الشخصية أثناء الحدث.
بكفّة أخرى لدينا الممثل (رَيف فاينز) بدور (جارلي فان دورين). المتسابق الذي تُقرر شركة الأعلان أن يفوز بمسابقات البرنامج، لكونه يجمع بين الوسامة أولاً ومستوى ثقافي عالٍ ثانياً، هنا يفوز (فاينز) بإهتمام وتعاطف المشاهدين من خلال تأديته لدور الطموح، المُنتصر، ومِن ثم المتأرجح بين ما سبق وما لحق.
وفي الوسط أداء الممثل (روب مورو) بدور (ريجارد كودوين)، موظف الدولة الذي يسعى بعزم أن يكشف الحقيقة. دور لا يقل عطاءً عن سابِقَيه ويمسك كَفَتَيّ الميزان بالوسط وبدقة.
الفيلم غنيّ بالأدوار الثانوية وضيوف الشرف لدرجة تغبط عشّاق السينما. فعلى سبيل المثال هناك المخرج (باري ليفينسون) بدور إخباري إعلامي، (إيثان هوك)، ارمش بعينك ولا تراه، يسأل سؤالاً، و(مارتِن سكورسيزي) – نعم ذاك المارتِن سكورسيزي- بقابلية تمثيلية لا تقل مستوى عن قابليته كمخرج (بلا مبالغة.(
يكمّل السيناريو عناصر إبداع الفيلم مِن خلال ثرائه الأدبي وتعامله مع لغة مثقفة توازي الموضوع والعصر اللذين تدور أحداث الفيلم حولهما.
يزرع الفيلم عند المُشاهد موضوعاً يحتاج النقاش اليوم وغداً بإستحقاق، من خلال دعوته للتفاعل مع سير الأحداث، تقلباتها، ومفاجئآتها، وهذه غاية يندر الوصول اليها بالأفلام بصورة عامة و بأفلام هوليوود بصورة خاصة.
حصل الفيلم على ثناء أغلبية النقّاد وترشّح الى عدة جوائز، منها جائزة أفضل فيلم في الجولدِن جلوبز، و أفضل فيلم في حفل الأوسكار، من إنتاج عام 1994، وإخراج (روبرت ريدفورد)، النص لـ (باول أتانازيو)، ومن تمثيل (رَيف فاينز)، (جون تورتورو)، (روب مورو)، (ديفيد بايمر)، (ميرا سورفينو)، (هانك أيزاريا)، (باول سكوفيلد)، (مارتِن سكورسيزي).