المسرح الوطني بين عراقة الماضي وتحديات اليوم
عدسة الفن – بشرى نجم الدين
اعتبر المسرح العراقي وما زال أحّد مسارح القمة في الوطن العربي وأبرزها، ولرواده ومؤسسيه عقولاً إبداعية متفتحة على الثقافات الأخرى، استطاعوا ان يرسموا البسمة والمتعة على وجوه المشاهدين ويلامسوا همومهم ومعاناتهم.
المسرح واحد من أشكال الفنون المختلفة، ومكان للأداء والتمثيل الذي يجسد أو يترجم القصص والنصوص الأدبية أمام المشاهدين، فالمسرح يحكي الواقع من الناس وللناس. عُرِف المسرح الوطني سابقاً بـ(المسرح القومي)، اذ أنشأ قبل نحو 100 عام، وتم عرض العديد من المسرحيات العراقية لكبار الفنانين على خشبته وأبرزهم: سامي عبد الحميد، ناهدة الرماح، يوسف العاني، خليل شوقي، بدري حسون فريد وحقي الشبلي الذي يعتبر الأب الروحي للمسرح الحديث في أربعينيات القرن الماضي، أما أهم المسرحيات التي عرضت على خشبته أنذاك مسرحية (عائدة الشهيرة) عام 1926، وعرضت فيها فرقة جورج أبيض عدة مسرحيات أيضا منها (عطيل) و(عنترة بن شداد). وشهدت خشبة هذا المسرح المئات من العروض المسرحية الرصينة، ورغم المحاولات العديدة لبعض القائمين عليه لتخصيصهِ وتحويلهِ إلى صالة عرض للأعمال التي باتت تُعرف بـ(المسرح التجاري) فقد قوبل برفضٍ واسع من قبل الفنانين العراقيين.
في الثمانينيات برز المخرج الكبير (صبري الرماحي) بعمله كمدير للمسرح الوطني حيث تولى إدارته بشكل جعل من المسرح يرتقي ويصبح في أوج مجدهِ، ومن المسرحيات التي كان لها صدى واسع حينها مسرحية (بيت وخمس بيبان) عام 1986، وتوالت بعدها عروض ناجحة مثل مسرحية (بيت الطين) عام 1995.
المسرح وجه العراق لذلك وجب أن تكون له ضوابطاً تليق به وهو أحد الرموز الثقافية وأحوج ما يكون بالإهتمام إلا إنه لم يعد بعظمته خلال الفترة التي تلت احداث 2003، اذ تحول من مسرحٍ جاد إلى آخر عبثي_تجاري، فنتساءل هل سيكون هناك أي تحرك أو محاولة لأعادة المسرح الوطني إلى مجدهِ السابق وإزدهاره؟ أم سيبقى كما قال الممثل عزيز خيون:”إنه أصبح مسرحاً يضحكٌ على الإنسان لا يُضحِكهُ، فهي تهزني ضحكاً ثم أغادر المسرح وكأنني ما سمعت ولا قرأت ولا رأيت؟؟؟”
وبالرغم من كل المعوقات فقد حاول إقامة عروض إبداعية من المسرحيات الجادة وحفلات السيمفونية والمقامات العراقية، ومن أبرز الفعاليات التي أُقيمت خلال هذا العام كان إحتفالاً رسمياً بمناسبة (يوم المسرح العالمي) كرم فيه أربعاً من رواد المسرح الذين أسسوا الفرقة القومية للتمثيل وهم (عادل كاظم) مؤلفاً، و(سعدون العبيدي) مخرجاً، و(قاسم الملاك ممثلاً)، و(سليمة خضير) ممثلةً، أما أهم المسرحيات فكانت مسرحية (ماكو مثلنا) بطولة (كاظم القريشي وأيناس طالب)، إضافة الى أمسية غنائية للفنانة (فريدة محمد) سيدة المقام العراقي التي صدحت بصوتها الشجي فرحاً لأستعادة نينوى من الظلام وإعادتها للنور، وفي عالم الطفل فقد صرحت السيدة (زينب القصاب) مديرة الإعلام والعلاقات في دائرة السينما والمسرح عن تفعيل دور مسرح الطفل من خلال شعبة متخصصة يديرها الفنان (زياد الهلالي)، أما أبرزها على الإطلاق فكان إقامة أكبر عرض لـ(موسيقى الفلامنكو) وعرض موسيقى عراقية وإسبانية.
وأكدت الفنانة القديرة (د.إقبال نعيم) المدير العام الحالي لدائرة السينما والمسرح على اهمية المسرح بقولها:”المسرح طريقنا للحياة، طريقنا لتكوين أوطان، فهو أبو الفنون لا بل كل الفنون”. ولا يزال القائمون على المسرح الوطني مستمرين في بناء علاقات مع المراكز العالمية وبالذات مع الهيئة العالمية للمسرح في اليونسكو. استطاع رواد المسرح ان يلامسوا واقع الناس وهمومهم ويعبروا عما في وجدانهم وعكس معاناتهم ويبحثون في أعمالهم عن حلول لهم، لهذا كان ولا يزال للمسرحيات صدىً واسعاً وقبولاً جماهيرياً كبيراً لمشاهدة ومتابعة الاعمال التي تقام على خشبة المسرح الوطني.