الدكتور فاوستوس…الرجل الذي باع نفسه للشيطان فألهمنا الحكمة
عدسة الفن – تحرير عبد الرضا
((تحين الساعة الأخيرة فلا يجدي إبداء الندم نفعاً فيودع (فاوستوس) زملاءه العلماء معترفاً بأنه أضاع فرصة خلود الروح مقابل متع فانية لا تجدي، وفي اللحظات الفاصلة الأخيرة يرتفع صوته قائلاً: ” يا ليتني تحولت إلى قطرة في بحر لجيّ متلاطم تغيب في قاعه المظلم فلا يكون لها أثر”)).
مسرحية (Doctor Faustus) كتبها (كريستوفر مارلو) عام (1592) تتضمن قصة التاريخ المأساوي لحياة وموت الدكتور (فاوستوس) مستنداً على موروث الاساطير الالمانية، ويذكر ان هناك عدداً من الكتاب الذين كتبوا مسرحيات عن نفس الاسطورة مثل (جوته، روتبيف)، اذ يقص (مارلو) الأحداث بصياغة مبدعة من خلال استخدامه الشعر المرسل في المشاهد الرئيسة والنثر في المشاهد الكوميدية. لم تكن قصة المسرحية عبارة عن موعظة منبرية دينية لكنها عمل درامي أعتبر عمود الدراما الإنجليزية قدمت حكماً منها الحذر من أن يغتر الإنسان بذاته أو بعلومه. نرى تتابع الاحداث والكشف عن الشخصيات من خلال إستخدام حوار الفرد مع نفسه حيث يبث للمتفرجين أفكاره ويكشف عن مكنونه ليقدم عملاً كلاسيكياً لا يمل من قبل المتفرج رغم أنه يحكي قصة تنتمي إلى العصور الوسطى، لكن بُعدها الإنساني جعلها خالدة.
تبدأ الحكاية بمشهد الدكتور (جون فاوستوس) الاستاذ والعالم وقد استبد به الملل والضجر من حياته الجامعية برغم ارتقائه إلى منصب أستاذ إلا أنه سئم تدريس العلوم التقليدية فيعلن انه يقدر المنطق باعتباره أداة للجدل أما الطب فهو بلا جدوى ما لم يسمح بإحياء الموتى والخلود، ويقدر القانون باعتباره يرتفع فوقه، ليثير فضوله شيء واحد اسمه فنون السحر وهنا يظهر اثنان من أهل السموات أحدهما ملاك الخير الذي يحذر من أن ممارسة السحر أمر لا يجلب سوى لعنة من السماء بينما يؤكد الآخر وهو الكائن الشرير بأن السحر يمكن أن يعود على الساحر بعطايا ومكاسب بغير حدود ليضعف الانسان أمام هذا الاغراء ويعقد العزم على مقابلة الشيطان وفي اليوم الذي أوشك أن يقترب فيه من اللقاء مع من يريد يتلقى زيارة أخرى من ملاك الخير الذي يهيب به أن يتوب ويندم ليأتي نذير الشؤم داعية الشر ويذكره ببريق الثروة وهيمنة السلطة والقوة التي تنتظره، ثم يأتي الحدث ويظهر (مفستوفيليس) الشيطان أو بالأدق أحد أعوان كبير الشياطين (ابليس- لوسيفر) ويخاطب (فاوستوس) قائلاً:”سأكون عبدا لك وأصبح طوع بنانك على شرط أن توقع عقداً معناً وتبرم صفقة تكتبها بدمك تبيع بمقتضاهما روحك للشيطان في مقابل أن نتيح لك ما تطمع في نيله”، وبدمه السائل يختم (فاوستوس) عقده مع الشيطان الذي يمنحه 24 عاماً يتمتع فيها بما يشتهي وبعدها تكون روحه ملكا لـ(إبليس)، ونرى اشارات القدر في العبارة التي إرتسمت على ذراعه كالوشم (هومو فلي) باللاتينية ومعناها (أنج بنفسك يا إنسان) لكنه لا يتعظ ويبدأ قائمة طلباته بزوجة لتصدمه الاجابة ” الزواج رابطة مقدسة يا إنسان، والشياطين لا يتعاملون مع المقدس وكل ما نستطيع تقديمه لك هو عشيقات مجرد عشيقات” ليدرك لحظتها جسامه اللعنة التي بدأت تلاحقه وتحرم روحه من أن تحلق في سموات التطهر والبراءة، ليهلك في الخطايا السبعة: (الغرور، الجشع، الغضب، الحسد، الشره، التراخي ثم الفسوق). نصل للنهاية عندما تدق الساعة معلنة منتصف الليل، فتحمل الشياطين (فاوستوس)، ولاحقاً يكتشف ثلاثة علماء رفاته المتناثرة في أرجاء خشبة المسرح ويؤكدون أنه كان ملعوناً، وأن الشياطين مزقته إرباً فنتذكر (مفستوفيليس) وهو يقول لـ(فاوستوس):” ما أنت سوى رجل حكم عليه بالموت”.