الجسد…نقطة التحول الفني في عصر مابعد الحداثة
محمد باقر ناصر العدد:44
يألف الجسد قوامه الفيزيقي من البيئتين الطبيعية والاجتماعية الثقافية، ليصنع خطابا يطرح من خلاله الذات في اتصال غير مباشر مع ذوات الآخرين، مشيئا أجزائه إلى عناصر مترامية الأطراف، كل منها يعمل على صنع رسالته الخاصة، وذلك بإيعاز مباشر من الذهن/الثقافة والمجتمع.
لم تبق محاولات النقش على الجسد عادة قديمة يقصدها العشاق ومرتادوا السجون، بل أصبحت فنا له صنّاعة وجمهور خاص يعقد العزم على تغيير البنية الرمزية للجلد بواسطة رسامين محترفين، فيما لم تبق الأزياء مجرد أقمشة تغطي اللحم بل تحايلا على الثقافة عبر تشيّؤ يقدم الأفراد خطاباتهم من خلاله، متابعين أحدث صيحات الموضة من أساليب تنسيق الأزياء و الألوان والأقمشة.
الأغنية العراقية والأغنية عامة بوصفها نتاجا فنيا غرضه الاستماع لم يعد كذلك، إذ تحول التركيز الاستهلاكي من حاسة السمع إلى حاسة البصر، وأصبح المغنون يبحثون عن ذواتهم الفيزيقية التي بدت تشكل هوياتهم الفنية بدلا من الصوت والأسلوب الغنائي، فقد أصبحت الابتسامة عاملا مؤثرا في طرح الذات، متمثلة في إبراز الاسنان الامامية بهيئة مثالية ناصعة البياض، لتذوب ملامح الفيزيقا الطبيعية في بنية ثقافية أساسها الجمال، كما أصبح شعر الرأس واللحية من المهام الرئيسة للفنان الراغب في الغناء، فضلا عن العديد من خصائص الجمال ذات الارتباط المباشر بالثقافة.
وفي الدراما دائما ما يثير مظهر الممثل اهتمام المتلقي الباحث عن الجمال عادة، مثلما انتقل خبر قيام الفنانة (آلاء حسين) بعملية تصغير للمعدة كالنار في الهشيم، بعدما انبهر المتلقون بالتغيير الكبير الذي شهده جسدها.
يمكننا القول أن تشيؤ الجسد بعيدا عن المضمون والدور والصيغة الحقيقية بدت ظاهرة عالمية ومحلية، حيث انتقل الحوار الخطابي الصامت الذي يصنعه الأفراد عبر رموز خاصة إلى الفن، ماجعل الفن يعقد خطابه المرئي على حساب الخطابات الأخرى كالسمعية والروحية والآيديولوجية.