(أبو الفنون) العماني خطوات واثقة وطموحات عالية
عبد الرزاق الربيعي.
يتجنّى بعض الذين رصدوا الحراك المسرحي العماني عندما ربطوا انطلاق عجلته بالنهضة العمانية التي انطلقت عام 1970 مع تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في السلطنة، لأن الحقيقة تقول غير ذلك، فبدايات المسرح العماني تعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بعقود.
إنّ ارهاصات المسرح العماني ظهرت مع تأسيس المدارس السعيدية في مسقط 1940، وصلالة 1951، ومطرح1959، وفيها جرى تقديم (اسكتشات) بالعربية الفصحى، أو باللغة الإنجليزية، وكانت تتناول موضوعات تعليمية مساندة للمناهج المدرسية المقررة، وأحيانا بعض المشاهد الكوميدية، ولم يتعدّ تقديم تلك العروض أبواب المدارس، وبعد 1970 قام النادي الأهلي بتقديم عروض مسرحية، وكذلك نادي عمان ومسرح الشباب في الثمانينيات، تبعه انشاء الفرق المسرحية الأهلية كما هو معروف، وتبقى المحطة الأهم للمسرح في عمان هو انطلاق مهرجان المسرح العماني عام2004 بتنظيم وزارة التراث والثقافة العمانيّة، إذ أتاح فرصة للمسرحيين باللقاء، والتحاور، والاحتكاك بالضيوف من المسرحيين، والنقاد العرب والأجانب، ومدّ جسور التواصل معهم ، وقد مثّل الحدث نسمة أنعشت رئة الحراك المسرحي في السلطنة، لأنّها جمعت المسرحيين العمانيين :ممثّلين، ومخرجين ، وكتّابا، وفنييّن ، ونقادا، ومتابعين ، من شتات أحكم قبضته عليهم، وجعل عزفهم يأتي منفردا، ومتقطّعا، في مكان واحد، ليتحاوروا في شؤون المسرح وشجونه ويتبادلوا الآراء، بل صاروا يدخلون ساحة التنافس. وقبل انطلاق مهرجان المسرح العماني كانت قد أقيمت مهرجانات لفرق كأيّام جمعة الخصيبي لفرقة الصحوة، ومهرجان المسرح الجامعي لجماعة المسرح بجامعة السلطان قابوس، لكن تلك المهرجانات ظلّت تتحرك ضمن مساحة محدودة، فلم تنل مشاركات أوسع بالشكل الذي رأيناه بمهرجان المسرح العماني، ولم تستضف نجوما من المسرح العربي، ونقّادا، إلى جانب قيمة الجوائز المرصودة، وتبعا لهذا لم تكن المنافسة بالشكل الذي رأيناها في مهرجان المسرح العماني، وكلّ ذلك كونه يحظى بدعم جهة حكوميّة، هي وزارة التراث والثقافة، وهذا الدعم هو وراء استمراره، إذ أقيمت العام الماضي دورته الثامنة.
وجاء إنشاء الجمعية العمانية للمسرح في2009 ليعزّز هذه المسيرة التي تمخّضت عن انطلاق أكثر من 15 مهرجانا محلّيّا، ورغم عدم وجود الدعم الكافي إلا أن بعض الفرق نجحت بتمويل نفسها بنفسها، فدأبت على تقديم عروض جماهيريّة خلال المواسم والأعياد، وهذا أتاح لها تغطية تكاليف العروض التي تقدّم في المشاركات الخارجية، وقد حصدت من خلالها العديد من الجوائز الدوليّة، إلى جانب ذلك كانت بمثابة ورش عمل لأعضاء تلك الفرق، وهذا لن يغنيها عن إقامة ورش فنيّة عديدة لصقل المواهب، ومواكبة التطوّرات الحاصلة في المسرح المعاصر، في الأداء والإخراج والكتابة والسينوغرافيا، وبقية عناصر العرض، ومشاهدة العروض العالمية، والاحتكاك بالتجارب المسرحيّة العربيّة والأجنبية، وهذا هو السبيل الأمثل لتطوير فن المسرح، وجعل “أبو الفنون” العماني يسير واثق الخطوة، ليبلغ سقف طموحات الشباب العالية.