نوافذ سينمائية

جريمة على قطار الشرق السريع

مهند النابلسي / الاردن*

يقول المحقق البلجيكي الشهير (بوارو) مادحا نفسه بأنه ربما أفضل تحري في العالم: “أرى الشر على متن هذا القطار”!
(ميشيل فيفر) تظهر هنا كأرملة ثرية تبحث عن رجل غني جديد كزوج مقبل، و(ديريك جاكوبي) و(جوش جاد) يتآمران كخدم ومرافقين لـ(ديب)، أما الحوارات الاخرى فهي غامضة ولا تشي حقيقة طبيعة الشخصيات ودوافعها، ومنها (اوليفيا كولمان) مرافقة الأميرة الروسية (دينيش).
ولكن كل هذه التلميحات تشير لشبهات محجبة لحادث خطف جرى في العام (1932) لطفلة طيار شهير. هل هو فيلم جيد؟ تظهر مهارات الاخراج الكلاسيكي هنا بتحويل جريمة القتل القديمة الغامضة هذه الى متعة بصرية خالصة ذات مظهر انيق وشيق، و(براناة) يمثل هذا الدور بشغف مع تفهم كبير للشخصية البوليسية المغرورة والكاريزمية في آن واحد ومع قدرة على الاحساس العميق بالمعاناة والألم الانساني.
لكن الامور تتحول بسرعة لاجراءآت روتينية، وذلك عندما تنكشف خفايا الركاب وتظهر اقنعتهم، بما في ذلك دايزي ريدلي، او مع صديقته (ليزلي اودم) الابنة، وذلك عندما يكشف الطبيب (الهندي) الماهر القناع ويكشف حبه وتورطه كما يفصح عن علاقته مع الطيار الراحل (ليندنبيرغ) الذي مول دراسته الجامعية ومنحه الفرصة الذهبية.
كل هذه الشخصيات والخفايا أربكت المحقق بوارو ووضعته في أزمة وجودية فريدة، عندما يكتشف جثة ميتة مع عدة طعنات على متن القطار المتوجه من (اسطنبول) الى (كاليه)، وبعد أن تتوقف الرحلة بسبب انهيار ثلجي فجائي، ينتقل (بوارو) لسلسلة متواصلة لاهثة ومتداخلة من الاستجوابات البوليسية الغامضة والمثيرة والشيقة في كل مرافق القطار.
المحقق عليه أن يحقق مع اثنا عشر شخصا من المشتبه بهم، راتشيت (جوش جاد) ومرافقه (ديريك جاكوبي)، سيدة المجتمع الأرملة الثرية (ميشيل فايفر)، والأميرة الروسية (جودي دينش) والبروفيسور الألماني (وليم دافوي)، والطبيب (ديزي ريدلي) وصديقته (ليزلي اودوم)، والراهبة المبشرة (بينيلوبي كروز) وغيره لنلاحظ انه كلما تعمقت مجريات التحقيق كلما ظهرت قرائن جديدة تتناقض مع بعضها البعض.
مع ان الفيلم قد صور في مكان واحد هو متن القطار، الا ان الكاميرا الذكية تنقلنا باستمرار عبر الممرات والردهات وتركز على الوجه والحركات والسكنات، لغرض احتواء حركات الشخصيات وايماءآتهم ومكنونات ذواتهم، كما يستخدم المصور الفذ ببراعة المرايا والنوافذ والانعكاسات الضوئية، بالاضافة للمشاهد البانورامية للقطار السريع في الأصقاع والتضاريس الثلجية الآخاذة، لذا فقد لعبت هذه الكاميرا الفريدة دورا مساندا رئيسيا للمحقق في مهمته الشائكة.
هناك مشاعر قوية متنوعة تظهر على الشاشة، فالفيلم يكتشف الحواس الجماعية والذاتية في حالات الحزن والخسارة والندم والانكسار، كما يوجد العديد من العروض الجميلة والأداء التمثيلي الساحر ببعده المعقد والمبهج، يتطابق مستوى هذا الفيلم مع تحفة لوميت العتيقة(1974)، على الرغم من أن تقمص ديب للشخصية الشريرة يتماثل كثيرا مع صورة رجل العصابات الكاريكاتوري ولكن يلاحظ أن (ديب) و(فايفر) فقط قد حظيا بنصيب الأسد من المشاهد، ربما لدورهما المحوري، فيما لم يعطى المجال تماما للبقية لاستعراض كافة قدراتهم التمثيلية البراقة.
الفيلم يذهلنا بدقة المتابعة والانغماس بالتفاصيل، ويدخلنا بحالات متتابعة من التوتر التشويقي ثم يخرجنا منها بدون ان نشعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى