فنون عراقية

هوية الاغنية العراقية على وفق مخاضات التأريخ

عدسة الفن – محمد باقر ناصر

أسهبت في الجزء الأول من (هوية الأغنية العراقية على وفق مخاضات التأريخ) في مراحل نشوء وتحول الأغنية من شكل لآخر، ابتداءً من تأسيس الدولة العراقية، وانتهاء بحقبة السبعينيات، وللاطلاع على المقال السابق (الجزء الأول) ينبغي قراءة العدد الثامن من صحيفة عدسة الفن.
بدأ شكل الأغنية الحديث (السبعيني) بالتوسع وكانت الأغاني المنتجة تلقى رواجها في الذائقة العراقية، وتميزت الأغنية آنذاك برصانتها ووحدتها الكبيرة، مدعمة ببصمة عدد من الملحنين المميزين أمثال الراحل (طالب القرغولي)، و الراحل (محمد جواد أموري)،(محسن فرحان) و (جعفر الخفاف)، فضلا عن شعراء كبار أمثال (مظفر النواب) و (عريان السيد خلف)، إلا أن هذا النمط الغنائي الذي لازال محفوراً في ذاكرة العراقيين سرعان ما أخذ بالتلاشي شيئا فشيئاً مع مطلع التسعينيات، حيث ظهر جيل جديد من الفنانين، تأثروا بسياسات سابقة قادتهم نحو نمط فني جديد، تمخض عنه إنتاج أغان هزيلة تميزت  بإيقاعات سريعة، كإيقاع الهيوا وإيقاع الهجع وغيرها، هذا لا يلغي بروز عدد قليل من الفنانين المرموقين أمثال (كاظم الساهر)، (مهند محسن) و(هيثم يوسف).
استمرت الأغنية العراقية على هذا الحال حتى سقوط النظام السابق، حيث تميزت فترة ما بعد العام 2003 بانتشار ايقاع (الهيوا)، هذا الإيقاع الأفريقي الذي استحدث في مدينة البصرة، ودخل الأجواء البغدادية بنمط جديد يحاكي الإيقاعات الغربية، و انتشرت الأغنية العراقية كثيراً في شكلها الحالي، لاسيما في المنطقة العربية، رغم عدم وجود مؤسسة راعية للأغنية. تعاني الأغنية العراقية في وقتها الراهن من انكسار ومرض خطير أصاب هويتها، إذ أصبح الفنانون ينتجون أغانيهم حسب اهواءهم الشخصية، وترعاهم شركات دافعها الرئيس الربح، غير مكترثين لسمعة الأغنية وتأريخها، محاكين الذائقة التي لم تعد تحتمل سماع الأغاني الطويلة، أو الأغاني ذات الوحدة الكبيرة، فضلاً عن أنها لم تعد تكترث للمفردات والصور الشعرية بقدر اهتمامها بسرعة الإيقاع وهيجانه، فأصبحوا يضيفون لها ما يشاؤون من مفردات، مثل (بسبس ميو) و (انا بيا حال والدفان يغمزلي) مرورا بـ (اشطح) وصولا الى (ذوله ويامن اندكو مخابيل).
خلاصة القول أن هوية الأغنية العراقية في وقتها الراهن تعاني من الضياع، فعلى مايبدو أنها مرحلة تحول لا أعرف كم ستطول، لكني أجزم أن النتاج الفني عادة ما يتبع شكل الثقافة، يتغير بتغيرها ويهبط ويستقيم على أساس هبوطها واستقامتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى