دور العولمة في استحداث العناصر الثقافية
محمد باقر ناصر
يصدّر مفهوم العولمة فهم الانتشار، والانتقال في نسق عابر للجغرافيات، أي أن العولمة يسعى مبتكروها لتصدير نوع محدد من الثقافة، وفق أسلوب تنظيمي واحد، عبر أسلاك ومغذيات لا مرئية، تضع حداً فاصلاً بيننا وبين ذاكرتنا، لتنشئ ثقافة وفهماً جديداً.
تؤول الأنثروبولوجيا التغير الاجتماعي على أنه استحداث في البنية والشكل. هذا التغير تسهم به العولمة بشكل كبير نتيجة إصرارها على صب أنماط سلوكية جديدة في الشخصية، عبر منظومة مرتبطة بشبكة عنكبوتية حاكها الانسان في كل ركن من أركان الكرة الأرضية.
تصاعد التغير منذ سقوط النظام السابق عام 2003، رغم أن هذا التغير لم يكن مرهوناً بالبنى والعناصر الثقافية ، إلا أن التغير بدأ يظهر شكلياً، آخذاً بالتصاعد، حتى ظهرت العديد من الجماعات الخارجة عن النمط العام، والتي بدأت تشكل تصورات وتأويلات خاصة بها، كجماعة (الإيمو)، وسائقي السيارات و الدراجات النارية الحديثة لكلا الجنسين، وغيرها من الجماعات. إن الطفرة التكنولوجية وعمليات الاتصال الثقافي الذي تزامن مع تحسن في دخل الفرد العراقي كانت سبباً في ظهور العديد من الأشكال، كالأزياء والتسريحات، فضلا عن السيارات الحديثة، والأشياء المرئية، إلا أن البنية الثقافية لم يصيبها الكثير من التغيير، لكن النتاجات الشكلية ليس بإمكانها أن تبقى لمدة طويلة دون سند فكري، فسرعان ما ظهر وسيظهر ذلك التصور الذي يحيل البنية ويلويها لإطاعة الشكل، هذا ما انسحب على معظم الفنون، بمضمونها المتأثر بابتكارات استعارت العديد من الموضوعات، وحاكتها بنسق عراقي، كالتشكيل والمسرح والموسيقى. إن استمرار العامل التكنولوجي في تغذية الإنسان بالتصورات والمعارف سيلهم الأجيال اللاحقة بالحاضر، ويبعدهم عن الماضي، مقتربين كثيرا من كونهم منمطين مع ما تطرحه العولمة من توجهات فكرية وآيديولوجية. ارتهنت العولمة بالعديد من الأنساق، كالنسق الاقتصادي الذي تبعه النسق السياسي، وبالتالي باقي الأنساق التي لها اليد العليا في توجهات الانسان، حتى أصبح ارتباط العراق بالعالم لا يقيده قيد سوى عدم قبول عدد من البلدان الفرد العراقي كمسافر بحجة مخاوف أمنية. ولا نعني بالعولمة أنه ذلك الانفتاح على العالم، بل هو سيطرة معلوماتية ومعرفية تفرضها وسائل إعلام ومنظمات قطاعية عابرة للقارات، هدفها صهر الثقافات في ثقافة واحدة.
زبدة القول أن العراق مقبل على تحول كبير في البنى لثقافاته المتعددة، على أن يأتي ذلك نتيجة ظهور العديد من الأشكال والرموز المرئية، إلا أن هذا التحول يحتاج لتدرج على أساس توالي الأجيال، ذلك ما سيسهم عبر الزمن في تغير البناء الاجتماعي بشكل تام.