المذهب الرمزي…رحلة البحث عن الجوهر
سما حسين العدد:52
بدأت ملامح هذا المذهب بالظهور في أواخر القرن التاسع عشر، في فرنسا غالبًا وهو المذهب الثامن من المذاهب المسرحية. والرمز في اللغة يعني الأشارة، وفي المسرح الرمزي يُقصد به الأشارة الى غير المحسوس بالمحسوس كالكلمة أو النغمة.وربما لم يكن المذهب الرمزي حركة ثورية كالمذاهب التي سبقته بقدر ماكان حركة إبداعية.
إهتم هذا المذهب بالبحث عن جوهر الأشياء في الوجود، والتنقيب عن الكلمة أو النغمة أو المفردة التي تتناسب مع هذا الجوهر الغامض وتدل عليه بشكل واضح يجعل مخيلة المُلتقي ترسمه رسماً فنياً بالكلمة بدل الألوان.
أما أكثر من أستخدم هذا المذهب وأجاد فيه فهم الشعراء بشكل خاص. ثم تبعهم رواد الأجناس الأدبية الأخرى.
جاء المذهب الرمزي مغايرا لكل ما سبقه بشكل جذري، وظهرت من خلاله عدة حركات أدبية تمردت على المألوف كقصيدة النثر. أما في المسرح فالرمزية فيه إتضحت من خلال إعطاء كل كلمة في الحوار قيمتها مع الأخذ بنغمتها ووقعها في مخيلة المُشاهد، حيث يحتاج الكاتب الى الكلمة التي تأخذ الجمهور من واقعهم المحسوس والمرئي الى اللامحسوس في اخر نقاط اللاوعي. إهتموا بالديكور المسرحي الذي يخدم مفرداتهم ويقدم أقرب صورة لمخيلة المشاهد فضلا على الإضائة التي تلهب في النفس ما يريد الكاتب شرحه .اعتمد كتاب هذا المذهب على الصمت والوقفات في أغلب كتاباتهم لكي يفسحوا المجال للمُلتقي بالتفكير في الجملة التي يسمعها. اذ إن حالة الصمت تعزز قوة العقل الباطن ليبدأ رحلة التخيل والشعور.
لم يختلف المذهب الرمزي كثيرًا في مواضيعه عن باقي المذاهب وجاء إختلافه بطريقة طرح هذه المواضيع. فكاتب المذاهب الكلاسيكية أو الرومانسية او الواقعية والطبيعية يجهز مادته بالكلمة والنغمة والصوت والصورة المُتخيلة ويعرضها بوضوح أمام المُتلقي دون الحاجة إلى تفسيرها او تعليلها. إما المذهب الرمزي فقد إختلف بتركه أبواب التعليل مفتوحة للقارئ أو المشاهد، وهذا الأمر الذي يجعل مشاهداً ما يتخيل غير الصورة التي يتخيلها مشاهد آخر يجلس إلى جواره ويتابع ذات المشهد، وهنا بالتحديد تكمن قوة الرمز، وعمق دلالته وكذلك موهبة الأديب الرمزي.
ويعد مالاريه وبول فرلان والبلجيكي موريس ميترلنك اوائل المؤسسين لهذا المذهب، والمُجيدين فيه.