الغجر…حكاية طويلة مع الفن يلبس ثوبها الغناء والرقص
عدسة الفن – محمد باقر ناصر
الغجر هم قوم منتشرون في شتى بقاع الأرض، عاشوا ولازال بعضهم يعيش حياة بدوية ميزتها الترحال، يشكلون جماعة إثنية تعود لأصل مشترك، إذ يجمع الكثير من الباحثين والمهتمين بشؤون الغجر حول العالم أنهم قوم يعود أصلهم لبلاد الهند.
يمتهن الغجر العديد من المهن في العالم، لكنهم يعرفون بمهن توارثوها أباً عن جد، تدل على أنهم ذو أصل مشترك، هي الرقص، الغناء، الموسيقى، والتمثيل (فنون الغجر)، فضلاً عن البغاء والتسول.
وفق دراسة أجريتها عن الغجر في العراق وجدت أن أكثر المهن التي يبرع الغجر بها هي الفن وبالتحديد الغناء والرقص والموسيقى، إذ إن الفن له خصوصية في حياتهم، حيث ينشّئ الغجري أبنائه و بناته على تعلم الرقص والغناء، فضلاً عن العزف على بعض الآلات الموسيقية، ومن كان موهوبا في الغناء حصل على رعاية واهتمام خاصين، أما فيما يخص الرقص فاختيار الراقصات يجري على أساس الجمال والقدرة على تأدية حركات خاصة بالرقصة الشعبية العراقية.
وأعطى الغجر للأغنية العراقية الكثير من الأصوات أمثال ساجدة عبيد، صبيحة ذياب، غزلان، رنا وليد، عدوية البياتي وغيرهن. تمتاز الأصوات الغجرية بخامة خاصة وعريضة، بإمكانها غناء الطبقات العالية، وبما أن الغجر عادة ما ينصهرون بشكل كامل مع ثقافة الشعب الذي يحطون رحالهم فيه فلم تختلف الأغاني التي يقدمها المطربين الغجريين عن الأغنية العراقية، لكن الفنانين الغجر عادة مايكونوا ميالين للأغنية الريفية الشعبية أكثر من غيرها، فقد أحكمو سطوتهم على إيقاعات البستة والهجع وبعض الإيقاعات الشعبية الأخرى لاعوام طوال، فعلى ما يبدو أن أغلبهم سكنوا الجزء الجنوبي والغربي من العراق.
عادة ما يصاحب الغناء الغجري بالرقص، فالإيقاعات التي يغني على وقعها الفنانون الغجر – غالباً – (البستة والهجع) تصنع نسقاً حركياً خاصاً، حيث تقوم الراقصة الغجرية بحركات خاصة وسريعة، كالقيام بدوران الرأس لمرات غير معدودة جاعلة شعرها الطويل حصراً متطايراً في الهواء، أو القيام بحركات لف ودوران سريعة، أو التشبيه في غرس خناجر في الخاصرتين؛ لابد من الإشارة إلى أن الراقصة مدركة تماماً لتحول الإيقاع من نسق إلى نسق آخر، وهي تبعاً لذلك تقوم بتنسيق حركاتها. وكنا قد فسرنا الرقصة الشعبية هذه على أنها توحي لطقس سحري كان ينجز أغراضه الاجتماعية في أزمان سابقة، لأن الغجر يمتلكون رصيداً هائلاً من الأساطير والحكايات الخرافية، فضلاً عن أنهم نشأوا في بلد يعج بالسحرة، واستندنا على تحليلنا هذا أيضا عندما وجدنا مجموعة من المصادر تشير إلى استخدام غجر الهند للرقص والغناء كطقس ديني سحري، إضافة إلى أن النسق الحركي لهذه الرقصة يوحي إلى ذلك.
جدير بالذكر أن الرقص الغجري العراقي أصبح يدرس في كثير من أندية الرقص الغربية، فالعديد من الراقصات الغربيات اشتهرن بتخصصهن في الرقص العراقي كالراقصتين (جيزيل و أرينا.(
إذاً تعد فنون الرقص والغناء والموسيقى في طليعة اهتمام الغجر، وما يمتلكونه من طاقات فنية قد تساعد في تجسيد الكثير من الرقصات والأغاني التراثية، فما على الجهات المعنية إلا أن تستعين بهؤلاء الذين بدربون منذ الصغر على اكتساب مهارات تساعدهم في إنتاج الفن.