نوافذ سينمائية

في الذكرى الاربعين…رسالة العقاد ما زالت تقرأ

تحرير عبد الرضا

تتشابك المواضيع بمفاهيمها وتتأزم الاحاديث ان كان مضمونها الدين، فتخيل انك تدخل هذا المعترك الصعب وتفكر بتقديمه ضمن فيلم سينمائي تحاول فيه جمع الاواصر المشتركة والتشديد على الصفات النبيلة التي نتقاسمها مع الاخر في سبيل بناء جسر للتواصل، مع علمك ان هذه الاختلافات قائمة منذ مئات الاعوام وستبقى قائمة. في عام 1962، شاهد المخرج الهوليوودي والسوري الاصل مصطفى العقاد فيلم (لورانس العرب) وفي مشهد خروج عمر الشريف من بين الرمال على ظهر الخيل رأى العقاد بطلا سينمائيا عربيا، حرك هذا المشهد شيئا في داخله وحاول محاكاته في اعماله، لذلك عزم على صنع فيلم ملحمي عربي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وقرر أن يتحدث الفيلم عن دعوة نبي الاسلام محمد (ص)، فكان مصطفى فارس الحلم الذي تم تحقيقه عام 1974، لكنه اصطدم بواقع يعبث فيه قلة الوعي الثقافي، فعندما اراد ان يردم الفجوة بين العرب والغرب بصنعه فيلم تعريفي عن الاسلام، اكتشف ان الفجوة، بل الحفرة موجودة فينا نحن، فـحورب من دول وهيئات دينية، وتوقف الدعم عنه لاكثر من مرة، رغم انه حاول استشارة المختصين والاتفاق حول الصيغة المناسبة لعرضه، لكنهم تحججوا وتركوه وحده في حرارة رمال صحراء المغرب، لكن بارادته واصل حتى ادى رسالته السينمائية بنسختين عربية وانكليزية صورها اخيرا في ليبيا، ليترجم بعدها الفيلم الى 12 لغة، فكان (الرسالة) سيد الافلام وتحفتها الخالدة، فرض جودته وهيبته على الزمن، واستحق ان يكون رسالة الدين الاسلامي في عالم الفن السابع، يصف الفيلم مسارالدعوة الاسلامية وكيفية نشأة الرسالة المحمدية ضد ما يحصل في مكة من فساد وكفر، وكيفية المقاومة للمجاهرة بالايمان الذي كان الشرارة التي اطلقت الاحداث الدرامية في الفيلم وكونت حبكته التي جسدت المواجهة بين قطبي المؤمنين وسادات قريش، فبدأ الفيلم بمشهد مجيء الحجاج لتقديم القرابين الى الالهة متمثلة بالاصنام لينتهي بوصول الرسول لمكة منتصرا وتحطيمه الاوثان. عبقرية العقاد ظهرت عندما احترم المبادئ الاسلامية ولم يظهر الرسول او الصحابة لا صوتا ولا خيالا، ورغم هذا تشعر بروحية النبي في كل مشهد، فرغم التقنيات البسيطة للتصوير انذاك لكنه قام بتجنيد افضل الفنيين والمهندسين والمصورين، وابدع في استخدامه لرمزية الالوان اذ منح المسلمون اللون الابيض ليدل على نصاعة التجربة الانسانية الي يمثلوها متباينة مع الملابس الداكنة لقريش التي لائمت الوان الصحراء وافعالهم المسيئة، كما لم ينس ان تكون الموسيقى للعالمي (موريس جار) تليق بجلالة المشاهد وقدسيتها برؤية فنية عظيمة، وظهرت امكانيات المخرج عندما ادار انتاج نسختين بفريقين من مختلف جنسيات العالم وتقديمه لمشاهد المعارك بحرفية فنية مع استخدام الاكسسوارات والملابس الملائمة لتشكل هذه المشاهد دهشة بصرية لا تنسى. فيلم الرسالة خطاب موجه للانسان الغربي الذي لا يعرف من الدين الاسلامي الكثير، وبعد مرور اربعين عاما ما زلنا بحاجة لهذا الخطاب، لبيان انسانية الرسالة المحمدية وكيف انها جاءت لبناء حضارة والارتقاء من سلم العبودية الى وضع اسس تعامل سمحة وحسنة تتضمن العدالة والمساواة بين الجنسين، ليؤكد الفيلم على لغة الحوار المشترك الذي يقرب الاديان وخصوصا المشاهد التي تضم ذهاب المسلمين للملك النجاشي، والسيناريو الرائع الذي ادار المشاهد بحرفية صنعها استاذ خبير اراد ان يوصل رسالة تصل الى قلب كل من يقرأ ولو بعد حين، وهذا ما شهدناه، فبعد ان غادرنا العقاد عام 2005 متاثرا بجراحه من تفجير ارهابي، ظلت رسالته تطوف المدى البعيد قبل القريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى