نوافذ سينمائية

استدعاء جديد لأجواء الحرب الباردة…(Red Sparrow)

مهند النابلسي/ الاردن*

(العصفور الاحمر) عرض جديد مشوق وركيك لحكاية جاسوسية عتيقة مع بهارات اثارة زائدة وتشويه دعائي سافر، مزيج مزعج لافت من عدة أفلام تجسس مماثلة. تبدأ القصة عن (دومينغا ايغوروفا) راقصة باليه روسية شهيرة تعيش مع امها المريضة، وبعد ان تتعرض لاصابة بالغة أثناء الراقص، يقترب منه عمها الانتهازي (ايفان) الذي يعمل بمنصب رفيع في المخابرات الروسية، ويطلب منها بصراحة اغواء (ديمتري اوستينوف) سياسي روسي متنفذ فاسد لاستبدال هاتفه الخلوي، مقابل الاستمرار بالبقاء في الشقة الحكومية وتقديم الرعاية الطبية الخاصة لوالدتها المريضة بدلا من خيار الطرد من الشقة الجيدة والذهاب لدار العجزة البائسة، ولكن عندما يحاول (ديمتري) الاعتداء عليها، يقدم القاتل المأجور (سيميونوف) على قطع عنقه، فتكتشف ان (ايفان) كان يعتزم قتل (ديمتري) منذ البداية، ولكنه اخفى ذلك عنها ليورطها بعملية الاغتيال، ويشترط عليها البدء بالعمل مع المخابرات الروسية، والا سيتم التخلص منها. ونفهم من سياق الأحداث أنها تعرضت لما يشبه المؤامرة بتعريضها للاصابة لاخراجها من الرقص نهائيا لغرض ابتزازها لكي تنفذ خطته الاستخبارية، وهكذا يتم توظيفها في المخابرات الروسية لغرض اغواء عميل المخابرات الامريكية (جويل اجيرتون)، وهو المسؤول عمليا عن عملية اختراق المخابرات الروسية، حيث يصطدم الموظفان الذكيان اللدودان في بيئة احتقانية، ويعقدان صفقة يتخللها الخديعة والشفقة الممنوعة، التي لا تهدد حياتهما فقط، وانما حياة الآخرين، لكن العلاقة بينهما افتقدت تماما للكيمياء وربما بقصد، كما أن الألغاز الغامضة تنكشف للمشاهد تدريجيا، وان كانت الحبكة المعقدة مضللة بعض الشيء وتثير العديد من التساؤلات، التي ربما انجبر المخرج (فرانسيس لورانس) لتضمينها دون تمحص، استنادا لرواية (جيسون ماتيوز) التي صدرت في العام 2013، والذي أسهب كعميل مخابرات سابق لاعوام طويلة في شرح وكشف اسرار (مدرسة العصافير الجاسوسية)، التي برع السوفيت بانشائها في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت.
تبدع الممثلة (شارلوت رامبلينغ) بدور المديرة والمعلمة (ماترون) التي تكشف تقنيات (الأغواء والتلاعب النفسي) كسلاح لاستخراج المعلومات في هذه المدرسة، ويبقى السؤال (البريء) فيما اذا كان (ملائكة المخابرات الأمريكية) اللطفاء هؤلاء يملكون مدرسة مماثلة ام لا؟ اذ يقال أن هذا المفهوم القديم الذي يسمى (كومبرومات) يعني استخدام الاغواء، بدلا من الانترنت ووسائل القرصنة الرقمية والحرب السيبرانية والتواصل الاجتماعي العصري، بغرض جذب الدبلوماسيين ورجال الأعمال. أخيرا فان الذي لفت انتباهي في هذا السياق هو احتواء هذه المدرسة على كلا الجنسين لاستخداهما كـ(أواني عسل) لاسقاط الدبلوماسيين ورجال الأعمال الغربيين، وليس حصريا، لأن تشكيل العلاقات الانسانية ما زال يملك سحرا وكاريزما خاصة في مجال الجاسوسية العالمية، وتبقى الروح الدعائية الاستخبارية مهيمنة على معظم مشاهد وحوارات هذا الشريط، مع الحاجة الماسة للكثير من التوضيحات، الفيلم يسترسل بطرح رسائل مضللة مستخفا بذكاء وفطنة المشاهد والناقد على حد سواء.
اما (جنفير لورانس)، كظاهرة سينمائية، فيختلف نقاد السينما بشأنها ما بين متحمس وداعم ومنبهر، وبأن جمالها وبراعتها هي التي أنجحت هذا الفيلم المتواضع، الحافل بالسرد الغير متكافىء والمشوش وما بين الحيادي الغير متحمس الذي يصر على تكرارية نمط تمثيلها البارد والفارغ والمنحوت، والذي يخلو من الغموض والعمق والشغف، وأنا شخصيا اميل لهذا الرأي الأخير المثير للجدل، فقد الغى ظهورها المتكرر في العديد من الأدوار الاستهلاكية حاجتنا لمشاهدتها، وضيع هالة الفضول تجاهها، حيث لم تعد لغزا كاريزميا يلفت الانتباه.
*كاتب وباحث وناقد سينمائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى