مسرح

(ذهان 4:48) … مسرحية تمهد إنتحار كاتبتها

عدسة الفن – سما حسين                                العدد:47

( الذهان) مصطلح طبي يطلق على مرض عقلي يفقد المصاب به الإتصال بالعالم الواقعي. ( وذهان 4:48) هي المسرحية السادسة والأخيرة التي كتبتها الإنكليزية (سارة كين) قبل انتحارها عن عمر يناهز الـ28 ربيعاً، ويشير أحد أصدقاء الكاتبة إن (4:48) هو الوقت الذي كانت تستيقظ فيه سارة فجراً في أيام اكتئابها.

جاءت هذه المسرحية مغايرة للشكل والمضمون الكلاسيكي للمسرح الأوربي، فسارة تعد موهبة غير مسبوقة تخطت كل الخطوط الحمراء التي رسمها المسرح حيث طرحت عليه كل مواضيع العنف الشديد، والألم، والعدمية وحتى الجنس، تم عرض المسرحية لأول مرة بعد وفاة (سارة كين) ومُثِلَت مرات عديدة على مسارح مختلفة بشتى اللغات ومنها العربية. عنوان المسرحية وحده يعطيها طابعاً ذاتياً، فالكاتبة لخصت تجربتها النفسية مع المرض والأطباء من خلال الخاتمة التي شغلت رواد المسرح الأوربي ونقاده، أما احداثها فهي غالباً غير واضحة، إذ تختفي الشخصيات داخل حوار عميق و ذكي بلغة تمزج بين اللغة الدارجة والعتيقة الفخمة. تدور المشاهد بين طبيب ومريض داخل المصح، واختلفت التأويلات حول شخصية الطبيب فبعض المخرجين عدوه صوت العقل والوسواس الباطني لمريض الذهان، وبعضهم عده كحبيب لشعور البطلة بالأمان والنجدة معه في بعض الفصول، وآخرون استخدموه كمحرك للصراع النفسي والعقلي داخل عقلية المريضة، فالطبيب أحيانا يسبب الأذى واحياناً يشفيه، ويظل واقفاً بين هاتين الصفتين، وبالتالي ظهرت المسرحية بطرق مختلفة رغم احتوائها على شخصيتين، فسارة وضعت عملاً يصف معاناة يغض الكثيرون عنها إدراكهم وحتى تعاطفهم، فالتعاطف مفردة بحثت عنها سارة في كل مشاهد مسرحيتها، العمل مليء بالمفردات الوحشية التي تستخلص الوجع من أعماق النفس وتقدمه لخشبة المسرح، والألم عند مرضى الذهان كالأمل موجود تارةً وتارةً لا، أما الكلمات المسجوعة أو المكررة فهو أسلوب أستخدمته لمناجاة شخص ما أو إله يخلصها من روتين الأذية. المسرحية تعطيك فرصة اللقاء بمريض دخل المصحة ثلاث مرات وأقدم على إهدار دمه في كل فرصة، فضلاً عن ذلك فأنها يعد أيقونة أدبية في عالم المسرح والأنسانية. في صفحات المسرحية أو المشاهد العميقة والمؤلمة كل ما سيتمناه القارئ والمشاهد أن يستثني الإله سارة كين من قوائم المنتحرين لعلها تجد السكينة والهدوء في مثواها الأخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى