سيرة فنان

جولييت بينوش…أيقونة الفن التمثيلي الدرامي العالمي

اسل الصفار

هي ممثلة، مخرجة، راقصة ورسّامة، تعتبر منبراً في الأداء التمثيلي الدرامي ورمزاً فنيّاً بارزاً لممثلات السينما، المسرح، والتلفزيون، ولأكثر من ثلاثين عاماً. يشمل تاريخ إنجازاتها الفنيّة منذ عام 1983 الى يوم كتابة هذا المقال أكثر من ستين عملاً فنياً سينمائياً، وعدد محترم من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، نجمة الاسبوع في صفحة سيرة فنان الممثلة (جولييت بينوش).

نشأتها
ولدت في 9 اذار عام 1964 في العاصمة الفرنسية باريس لأم بولندية وأب فرنسي، تنتمي لعائلة فنية عريقة، فوالدها ممثل ومخرج، ووالدتها ممثلة ومخرجة، وجدتها وجدها (من امها) ممثلين.
انفصل والديها عندما كانت في الرابعة من العُمر، وعاشت بعد الإنفصال هي وأختها الصغيرة (ماريون) عند جدتهما، عانت مِن اهمال والديها لها ولاختها أثناء إقامتها مع جدتها وترك عليها هذا أثراً نفسياً الى يومنا هذا، بناءً على وصفها.


وفي سن الخامسة عشرة، أرسلها والدها إلى مدرسة ثانوية متخصصة لدراسة الفنون ثم التحقت بالكونسرفتوار الوطني للفنون الدرامية في باريس.
شغلت وظيفة موديل لأحد الرسامين وبائعة في أحد المتاجر التنويعية في بدايات مسيرتها، لها مشاركات وتبرعات على اصعدة مختلفة منها الإجتماعي، الثقافي، والسياسي، وتعتبر الرئيس (نيلسون مانديلا) مثلاً أعلى.


الحالة الإجتماعية
على الصعيد الشخصي، لم تتزوج (بينوش) ولها ولد (رافائيل) من خلال علاقتها مع الغواص المحترف (أندريه هال)، و لها بنت (هانا) من علاقتها مع الممثل (بينو ماجيميل). كما انها مسؤولة بشكل رسمي على العناية بتسعة أطفال في كامبوديا، اما أقرب أصدقائها هو الممثل (رَيف فاينس) الذي شاركها التمثيل بفيلم (المريض الإنجليزي) وفي فيلم (مرتفعات ووذيرنج).


مسيرتها الفنيّة
ظهر ميلها إتجاه الفن بشكل واضح خلال أعوام مراهقتها عندما بدأت التمثيل بمسرحيات للمبتدئين بمدرستها، قامت بإخراج مسرحية (الملك يخرج) للمؤلف (يوجين لونيسكو) عندما كانت في السابعة عشر من العمر، ومثّلت بها، خلال هذه الأعوام أعتمدت على فطرتها بالتمثيل بعيداً عن التعلّم المدرسي.
أختارت لاحقاً أن تدرس التمثيل بشكل أكاديمي، واصبحت طالبة في المعهد الوطني العالي للفن الدرامي، لكنها تركت الدراسة هناك لاحقاً لعدم إنسجامها مع المنهج الدراسي للمعهد.
أعتمدت بعدها على مدربين ومدربات فنيين لصقل وقولبة قدراتها التمثيلية، أبرزهن مدربة الدراما (فيرا كريك)، ومعلمة الدراما (سوزان باتسون).


أنضمّت الى فرقة مسرحية وقضت بعض الوقت معهم متنقلة بين فرنسا، بلجيكا، و سويسرا.
أول عمل إحترافي لها كان دور هامشي بالمسلسل التفزيوني (راقصة الحبل دوروثي)، ثم دور صغير آخر بفيلم تلفزيوني، لتحصل لاحقاً على أول ادوارها السينمائية بفيلم (ليبرتي بيل) عام 1983.
تطلّب دورها بذلك الفيلم حضورها ليومين فقط، لكنهما كانا كافيين لها لتعرف انها ترغب بأن تكون ممثلة لبقية حياتها.
بصمتها على السينما
تميزت بتلقائية تقديمها لدورها وخصوصاً في المجال الدرامي، ومَن يتابع اعمالها بتمعّن يلاحظ انها تنفرد بلغة جسد تعكس بعمق وغزارة مدى توغلها بالدور بشكل يندر أن تجد مثيلاً لها بأي ممثلة بالعالم وبأي عصر.


مشهد المحادثة التي تدور بين شخصيتها وشخصية جاك ماركوس (الممثل كريس أوين) بفيلم (كلمات وصور) وهما مستلقيين على الفراش هو أصغر مثال، بأقّل من دقيقة، تستطيع أن تعرِف وتتعرّف على كُل ما تمر به شخصيتها السعادة، القناعة، الإكتفاء، العِشق، وروح المغامرة.
ربما تعود قابليتها الفائقة على تجسيد الدور الى حبّها للشخصية التي تمثلها، حب يصحبه تعمّق بدراستها ومعرفة كاملة بظروفها الداخلية والخارجية، والدليل على هذا الكلام هو عندما صُعِقَت (جوان هاريس) مؤلفة قصة (شوكولات) بـ(جولييت بينوش) على بابها من غير سابق ميعاد، فاخبرتها أنها ستقوم بدور الشخصية الرئيسة (البطلة) بالفيلم المبني على القصة بنفس العنوان، وأخبرتها انها تعشق القصة وتود معرفة شاملة عن وحول الشخصية التي ستمثلها، استمرت المحادثة طويلاً وأدّت بالنهاية قضاء (بينوش) يوميّ عطلة نهاية الأسبوع عند الكاتبة لتغطية الموضوع بشكل تام.
إختياراتها
لا يعود سطوعها، وهي كالشمس، الى قابليتها التمثيلية فقط، بل ولذكائها بإختيار الأدوار، وهذين عاملين حاسمين لتحديد نجاح أي فنان، اذ أعتمدت بإختياراتها المجال الدرامي وفضلّت الدراما الأوروبية على الأعمال الهوليوودية.
فهي معروفة برفضها العمل مع المخرج الأسطورة (ستيفن سبيلبيرغ) عندما دعاها للقيام بدور العالِمة (ايلي ساتلير) بفيلم (جوراسِك بارك)، و فضّلَت القيام بدور البطولة بأول جزء من ثلاثية الألوان (أزرق).


لكنها لا ترفض هوليوود بشكل قطعي، فلها العديد من الأعمال الدرامية الهوليوودية كفيلم (خفة الوجود الفظيعة)، وهو أول ادوارها باللغة الإنجليزية، فيلم (ضرر)، فيلم (شوكولات)، وفيلم (المريض الإنجليزي).
وليس هذا فقط بل وحتى شاركت بفيلم (كودزيلا) عام 2014، الذي قبلت المشاركة به بناءً على عاملين، الأول هو هوس إبنها (رافائيل) بالشخصية الخرافية، والثاني هو الرسالة الرقيقة التي ارسلها لها مخرج الفيلم يدعوها من خلالها (لطفاً) أن تشارك به.
مهما كان رأيك بفيلم (كودزيلا) لا يمكنك أن تغض النظر عن روعة أدائها لدورها، المُقتصَر على دقائق بالفيلم، وتأكيداً على كلامي هو ما ذكره المخرج العملاق (كونتِن تارانتينو) بأنه أجهش بالبكاء عند مشاهدته مشهد وداعها الأخير لزوجها بالفيلم، وأنه اضطر أن يخلع نظارته ويمسح الدموع من عينيه، وهو جالس بصالة السينما.
لم يكن تاريخها الإحترافي خالياً من المطبات والعثرات، فقبل ستة أسابيع من البدء بتصوير فيلم (لوسي أوبراك) حول حياة بطلة المقاومة الفرنسية، تم طرد (بينوش) من الفيلم لإختلافها مع المخرج (كلود بيري) حول صحّة الأحداث وتطابقها مع التاريخ في نصّ الفيلم الذي كان هو المسؤول عن كتابته، وصَفَت (بينوش) الأمر بأن وقعه عليها كان كوقع الهزة الأرضية.


شهرتها
حبّها وتعلّقها بأدوارها دعاها يوماً لكتابة رسالة الى الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران) بعام 1990 تسأله ان يقدّم دعماً مادياً لإنتاج فيلم (العشّاق على الجسر)، لكنه لم يفعل. عندما دعاها الى جلسة عشاء في القصر الرئاسي عام 1993، رفضت بينوش الدعوة، بعدها ألتقيا عن طريق الصدفة بالسوق وقضيا وقتاً يناقشان الفن، الكُتُب، والشِعر.
بعد أعوام، عندما فازت بجائزة الأوسكار (أفضل ممثلة مساعدة عن فيلم (المريض الإنجليزي)، كان الرئيس (ميتران) هو أول من هنئها عليها، أتصل بها هاتفياً وهي ما زالت بالحفل بالرغم من فرق التوقيت بين باريس ولوس انجلوس.
روعة أدائها الفني تدعو الناس للمجاهرة بإعجابهم به، ولا يستثني الأمر المشاهير منهم، منهم الرئيس الأميركي (بِل كلنتون) وزوجته (هيلاري) اللذين دعاها لزيارتهما في البيت الأبيض، عندما أعتذرت (بينوش) لإرتباطها بأداء دور مسرحي في نيويورك، قام الرئيس وزوجته بزيارتها هناك.


مهرجانات وجوائز
لم يقتصر التقدير على جماهير المُشاهدين، بل وشمل لِجان التحكيم من العديد مِن المهرجانات الفنية ومِن كل أنحاء العالم.
بحفل جوائز الأوسكار هي احدى من ثلاثة عشر ممثلة فرنسية تم ترشيحهن للجوائز، وهي واحدة من خمس ممثلات ممَن فازَن بها، ترشحت كأفضل ممثلة بدور رئيسي عن فيلم (شوكولات) وكأفضل ممثلة بدور ثانوي عن فيلم (المريض الإنجليزي) لتفوز بها.
عندما إستلامها جائزة الأوسكار قالت: ” لم أحضّر خطاب فوز وشُكر، لأنني تصورت أن (لورين باكّال) ستفوز بالجائزة “.
فازت ايضاً بثلاثة عشر جوائز عالمية أخرى، تتوزع مصادرها على مهرجان برلين، مهرجان الفيلم الأوروبي، مهرجان فينيسيا، مهرجان كان، مهرجان القاهرة، وغيرها.
تعتبر الممثلة الأولى التي توّجَت بالتاج الثلاثي الأوروبي لفوزها بجائزة أفضل ممثلة بالمهرجانات الثلاث ?ينيسيا، برلين، وكان لأدوارها بفيلم ( ثلاثة الوان: أزرق)، فيلم (المريض الإنجليزي)، وفيلم (نسخة مصدّقة).
إنجازاتها
على مدى 30 عاماً اتحفتنا (بينوش) بسيرة فنية تحوي كنوزاً ودُرر في الأداء التمثيلي، يستحيل أن يُحدد واحد منها، ولا خمسة، ولا عشرة حتى كأفضل أعمالها. سأذكر منها على سبيل المثال دون أسبقية أو أفضلية،
(The Unbearable Lightness of Being)
عام 1988، Damage)) عام 1992، (Wuthering Heights) عام 1992،
(Three Colours: Blue) عام 1993، (The English Patient) عام 1996، (Chocolat) عام 2000، (إختلاف التوقيت) عام 2002، (مخفي) عام 2005، فيلم (Breaking and Entering) عام 2006، (باريس احبك) عام 2006، (طيران البالون الاحمر) عام 2007، (Copie conforme) عام 2010، (هن) عام 2011، (الانتظار) عام 2015، (دع الشمس تدخل) عام 2017، ولها على الأقل أربعة أفلام يتوقع عرضها بهذا العام والعام المُقبِل.


عطاء كهذا يتحدى الزمن ولا يعرف حدود أو نهاية، أرجو أن أكون قد عرّفت ولو جزء صغير منه لموهبة وإنجاز هذه الفنانة العظيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى