سيرة فنان

بهجت الجبوري…نجم التلقائية ومبدع الأدوار الصعبة

علي مزهر

حين تطرأ بلاده على البال يقول لهم خذوني عند الحدود لأحمل الشمس سلامي والقمر تحيتي والنجوم دموعي، نشأ ضمن عائلة محافظة ومن مدينة تقوم على اساس التقاليد العشائرية، فبات فنانا ملتزما بادواره والشخصيات التي يقدمها، ابدع باعماله المحلية ثم لمعت نجوميته بالاعمال العربية، ليصفه المخرج خالد يوسف بأنه (محمود المليجي العراقي)، الممثل الكبير والقدير (بهجت الجبوري) نجم صفحة سيرة فنان في هذا الاسبوع.

نشأته وحياته الشخصية
اسمه بهجت محمود الجبوري، من مواليد 7 نيسان 1946، ولد في قضاء الشطرة، مدينة الناصرية، محافظة ذي قار، عاش طفولته وشبابه المبكر في مدينة الناصرية، منطقة دور الإدارة المحلية، التي كانت تعتبر في تلك الفترة الزمنية من افضل مناطق واحياء المدينة من حيث الموقع ودرجة العمران والبناء والحدائق والشوارع المعبدة. والده محمود الجبوري كان يعمل (مشرفا تربويا) في مديرية تربية الناصرية، تخرج (بهجت) من معهد الفنون الجميلة / قسم المسرح نهاية الستينيات.


هو الابن الأكبر لوالده الذي كان رجلا وقورا وصارما في تربية عائلته، لذلك نشأ (بهجت) ضمن تربية وسلوكية فيها الكثير من الانضباط والخصال الحميدة، سيما ان بهجت قد حباه الله بحلاوة الروح ووسامة الملامح والمرح وخفة الظل، كلها جعلته محبوبا من ابناء مدينته. لينشأ وديعا هادئا يحب الحياة والجمال والطبيعة، قبل ان يأخذه الفن ويدخل عالمه الذي ابدع فيه، ويفضله على المهن الاخرى، كان والده رافضا دخوله لعالم التمثيل فاصر على الموهبة التي يمتلكها واصر على اختيار مستقبله، كان معتمداً على نفسه منذ صغره فعمل وجمع المال من اجل مستلزمات الدراسة، اما زوجته فهي من خارج الوسط الفني، واولاده ترك لهم حرية اختيار مستقبلهم فاتجه اغلبهم اتجاها علميا صرفا في مجال الطب والهندسة.


عمل في مجالات متعددة في التجارة والمقاولات والعقارات، وقد سكن في العاصمة بغداد منطقة الدورة حي الميكانيك حيث قام باختيار تصميم منزل فريد من نوعه بمظهره الخارجي المتميز، يعاني الجبوري من مرض السكري وأوجاع في القلب تنتابه بين حين واخر وقد تعرض لجلطة دماغية، وغادر العراق بعد تعرضه لانتكاسة صحية تطلبت وجوده في الخارج للعلاج وكانت اخر محطاته في القاهرة اذ سكن فيها وبالتحديد في منطقة 6 اكتوبر، ثم في عام 2014 غادر القاهرة ليكون لاجئا في الولايات المتحدة الأمريكية وهو يسكن الآن في ولاية ميشغان، ولم يرغب الفنان بالعودة الى ارض الوطن لاسبابه الخاصة.


مشواره الفني
شارك بهجت الجبوري عندما كان طالبا في الثانوية، بالكثير من الاعمال المسرحية، مع فرقة الناصرية للتمثيل، التي كانت تضم (عزيز عبد الصاحب، عبدالرزاق سكر، عبد الامير السماوي، محسن العزاوي، حسين نعمة، فاضل خليل، حميد كاظم، عبدالمطلب السنيد، حميد البناء واخرين). بعد تخرجه في معهد الفنون الجميلة، عمل في النشاط الفني لتربية ذي قار، ثم انتقل الى بغداد لينضم الى الفرقة القومية للتمثيل، وشارك في بعض اعمالها وتألق كثيرا في مسرحية (طير السعد)، لكنه عاد مرة اخرى الى مدينته ليشرف على النشاط الفني المدرسي. وفرقة الناصرية للتمثيل التي اخرج لها بعض الاعمال المميزة في منتصف السبعينيات. عاد مرة اخرى الى بغداد وللفرقة القومية للتمثيل ليكون احد اعضائها البارزين ليبدأ مشواره الفني الحقيقي من خلال المسرح والاذاعة والتلفزيون والسينما.


في التلفزيون تم تقديمه من قبل المخرج (كارلو هارتيون) في مسلسل (أيام ضائعة) مع فنانين عرب كبار، اضافة الى النجوم العراقيين، أما في المسرح فقد قدمه الفنان الراحل (ابراهيم جلال) في مسرحية (الطوفان) ضمن المسرح الجاد، وفي المسرح الجماهيري تم تعريفه للجمهور من قبل الفنان المبدع محسن العلي في مسرحية (بيت وخمس بيبان)، وفي السينما كان الفنان الراحل صاحب حداد صاحب الفضل في تقديمه ضمن فيلم (يوم آخر).


اهم اعماله
لديه قائمة طويلة من الاعمال الفنية في مجال السينما والمسرح والتلفزيون نذكر منها في السينما افلام مثل (يوم اخر) عام 1979، (مطاوع وبهية ) عام 1982، (في ليلة سفر) عام 1990، (زمن الحب) عام 1991، (المش مهندس حسن) عام 2008، (الريس عمر حرب) عام 2008 اذ في الفيلم شخصية (محيي الرحال)، وهي شخصية عراقية، تأتي إلى مصر، بالتحديد إلى القاهرة، ولا همّ لها سوى إضاعة الوقت في شرب الخمر ولعب القمار والتسكع في القاهرة، وكان ترشيحه للفيلم قد أتى عن طريق المصادفة، حيث كان مخرج الفيلم خالد يوسف يبحث عن شخص عراقي للعب شخصية عراقية بالفيلم، وحينما سأل بعضاً من المُقربين فرشحوه له، من اعماله السينمائية ايضا (أخوة في بيت الجهراء) عام 2011، اما ضمن الاعمال التلفزيونية فكانت له عدة مسلسلات نذكر منها مسلسل (الحياة حلوة من وجهة نظر امرأة) عام 1978، (ابو البلاوي) عام 1980، (الأماني الضالة) عام 1989، (ذئاب الليل ) عام 1996، (رمال تحرق الاقدام) عام 1997، كما شارك في مسلسل (من يطرق باب الليل) والذي صرح مرة بانه احب الادوار اليه اذ مثل دور رجل كبير في السن، والعاشق في نفس الوقت، فكانت شخصية جميلة لرجل يجبره الحب على سلوك مختلف الطرق للحفاظ على حبيبته، فاحب وابدع بتمثيل مثل هذه الأدوار لرجال مسحوقين تحت وطأة الفقر او العشق او الظلم، كونها تضم خزين كبير من المشاعر التي تختبر أداء الفنان. كما لمع في الشخصية التي اداها في مسلسل (عالم الست وهيبة) عام 1998، (هذا هو الحب) عام 2001، (حب وحرب ) عام 2003 ، (بيوت اهلنا) عام 2005، (ثلج في زمن النار) عام 2008، (السيدة) عام 2010، (رجال وقضية) عام 2011، وشارك في مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) عام 2012 مع النجم عادل امام الذي انقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض لما قدمه، اما اعماله المسرحية فقد كانت حافلة ايضا لكن ابرزها (ام خليل) عام 1985، (طير السعد) و(بيت وخمس بيبان).


الجوائز
منح جائزة تشريفية من قبل نائبة في البرلمان الكندي نظرا لدعمه للفنانين المحترفين والشباب، كما حاز على جائزة افضل ممثل ثانوي في المهرجان القومي للسينما المصرية في دورته الخامسة عشر التي اختير فيها كافضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم (الريس عمر حرب.(


معلومات
* كان يخرج بسيارته الشخصية منتصف الليل ليعمل سائق (اجرة) ليشاهد ويطلع من خلال عمله هذا على حياة وتصرفات الناس وخاصة (المخمورين) ليتفحص شخصياتهم وحركاتهم وانفعالاتهم وطريقة كلامهم عند غياب الوعي عنهم ليجسدها في اعماله المسرحية بكل مهارة وتلقائية بعيدا عن التشنج والصراخ الذي اعتدنا عليه من بعض الممثلين.
* اعجب بشكل منزل شاهده في مجلة يابانية واحب ان يكون منزله الخاص في بغداد بذات التصميم، فقرر انشائه ليستمر ببنائه لمدة (9 اعوام) الا انه لم يقم في المنزل وقتاً طويلاً اذ كان مشغولا في العمل والتمثيل ورعاية اولاده في مشوارهم الدراسي.


* تم أختياره لدور في فيلم (دكان شحاته) وعندما ذهب للتوقيع على العقد تبين له أن المغنية (هيفاء وهبي) تشترك في نفس الفيلم فقرر الانسحاب في اللحظات الأخيرة لأسباب انه لا يريد أن يخوض غمار مثل هذه الأعمال التي قال انها تعتمد على أمور بالفنانة لا تليق به.
* في لحظة وفاة والده واصل اداءه في عمله المسرحي حتى اكمل العرض واغلقت الستائر لينهار بالبكاء على فقدان ابيه.
(بهجت الجبوري) ممثل له القدرة على تمثيل جميع الادوار ولكن بشرط ان لا تسيء او تخرج عن الاخلاقيات التي تربى عليها في المجتمع العراقي، تركنا بهجت الجبوري ليحط رحاله في غربته لكن اثاره في تاريخ الفن العراقي باقية، هجرة مؤسفة وله اسبابه التي ربما توجع قلبه، لكن دون شك الاكثر الما أن فناناً مثله يهاجر دون رجعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى