نوافذ سينمائية

(بعد العاصفة)…دراما يابانية عائلية، شاعرية، أخلاقية، حافلة بالذكريات والحنين

 

مهند النابلسي/ الاردن*                 العدد:52

فيلم (After the Storm) لعام 2016 من اخراج (هيروكازو كوريدا)، يرتكز “هيروشي آبي” (ريوتا) على مجده الماضي ككاتب حائز على جائزة ادبية، ويبذر الأموال على القمار والمراهنات، وهو يكسب من عمله كمخبر خاص، ولكنه يدعي انه لا يملك نفقات اعالة طفله، ويسعى جاهداً لتجميع اموال اضافية بواسطة تقديم خدمات خاصة للعملاء في وكالة المباحث الخاصة مع ابتزازهم أحيانا، كما يعرض عليه كتابة سلسلة المانغا الشهيرة بالتعاون مع فنان متخصص، ولكن طموحاته الشخصية تقف عائقاً امامه، يحاول (ريوتا) العودة لزوجته السابقة كيوكو (يوكو ماكي)، التي لا تسلطفه وتعبت بدورها من فشله المستمر وعجزه عن دفع نفقات طفلهما، فتهدده بوقف السماح له بقضاء الوقت مع ابنه شينغو (تايو يوشيراوا)، ويدرك (ريوتا) أن لـ(كيوكو) صديق جديد لا يستسيغه اطلاقاً. في ليلة صيفية عاصفة، وأثناء تواجده في منزل والدته الارملة مع عائلته، يحاول (ريوتا) استعادة السيطرة على وجوده وكيانه العائلي لايجاد مكان دائم بقرب ابنه، ثم تبدي زوجته السابقة قلقها من هذه العلاقة، مبررة أن الحب وحده لا يكفي، فيستغل الأب العاصفة بذكاء كفرصة للربط وتوثيق علاقته مع ابنه الصبي، مسترجعاً ومكرراً تجربة مماثلة لا تنسى مع ابيه الراحل.

حصل هذا الفيلم على ثناء النقاد بنسبة مرتفعة تتجاوز الـ(95%)، اذ قدم ملاحظات خالدة حول مسؤوليات الوالدين والروابط والقدرة على التسامح والغفران. يجمع الفيلم مابين الكوميديا اللطيفة والشاعرية والحنين للذكريات والواقع الحياتي الكئيب، فيؤكد على أنه “لا يمكن للمرء أن يحصل على الحياة التي يريدها أو أن يكون ما يريد أن يكون”. تظهر في الفيلم علاقة اليابانيين مع البيئة والطبيعة والطعام الذي يمثل جزءا هاما من الثقافة اليابانية اليومية، كما نعاين نمط حياتهم وتوفيرهم للمال، وطريقة تعاملهم المهذبة والمتواضعة مع الآخرين والأشياء ورهافة مشاعرهم ونظافة شوارعهم وأحيائهم، كما يلعب الاعصار الاستوائي دورا اساسيا في اعادة روابط الاسرة المتفككة، فالجدة الطيبة تمتدح الاعصار لأنه ينعش النفوس (فالشمس تشرق دائما بعد الاعصار)، كما لعبت الجدة دورا كبيرا بتحفيز العلاقات واحياء الحنين الاسري، وفي مشهد معبر نراها تعطي ابنها قميصاً ابيضاً مكوياً من مخلفات والده الراحل فيما ادعت كذبا في البداية انها تخلصت من كل مخلفاته، وأخيراً، يحاول (ريوتا وكيوكو) التوصل الى تفاهم ما، حتى عندما تتعارض نواياهما مع بعضهما البعض، ليعتبر هذا الفيلم ربما نموذجا للمعالجات الدرامية العائلية الصعبة والمتداخلة والواقعية.

*باحث وناقد سينمائي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى