سما حسين العدد:50
بعد ظهور المذهب الرومانسي في بداية القرن التاسع عشر وهيمنته على المسرح وموضوعاته، بدأ الجمهور يشعر بحاجة ملحة لتغيير هذا النوع الأدبي، ففي ذلك الوقت أسرف الكتاب في الخيال والفانتازيا وأبتعدوا عن الواقع المعاش ولم يبتكروا شخصيات تنتمي لمجتمعاتهم واستمروا في هذه الشاعرية حتى نهاية القرن التاسع عشر، وفي تلك الحقبة بالتحديد بدأت المجتمعات تنشد التغيير في شتى جوانبها الإقتصادية والإجتماعية والفكرية، وازدهر الاقتصاد لديهم وكذلك التقدم العلمي، فهو عصر فرويد ودارون ومندل ونيتشيه، ولهذا السبب لم يستطع كتاب الأدب الرومانسي الإنخراط بسهولة في مجتمعهم الجديد، ولم تلبي مؤلفاتهم حاجة الجمهور لمواضيع تلامس مشاكلهم. من هذا المنطلق، حاول الادباء إستبدال هذا المذهب بمذهب أكثر رصانة وموضوعية بحيث يكون مقتبس من البيئة الاجتماعية انذاك، أما كلمة واقعية فتعني بالتحديد (الشيء الذي يحدث) وهذا لا يعني كتابة مسرحيات منقولة تفصيلاً عن الواقع بل هي مجاراة للاحداث ومحاكاتها. ويصور المذهب الواقعي الإنسان وميوله وغرائزه بعيداً عن الذات وروحانيتها، ويفسر تصرفات الانسان ومايحل به من مصاعب ومسرات تفسيراً منطقيا. ففي ذلك العصر بلغت الفلسفة ذروتها ومن الطبيعي جداً ان توضع اغلب الانفعالات البشرية تحت مجهر فلسفي بحث. اما موضوعياً، التزم أتباع هذا المذهب الصدق في عرض الحقائق وابتعدوا عن الزيف قدر الإمكان، وهذا لا يعني غياب دور الخيال بالكامل، فالخيال اداة الكاتب الرئيسة ومفتاح نجاحه، ولكن كان من الضروري أن تكون لهم هوية وجذور ثابتة في عالمهم الجديد بغض النظر عن شاعريتهم وعواطفهم. وكل هذا حدث لازدياد الصعوبات والصراعات مع اقتراب نهاية القرن حتى تخطت حدود العلاقات والمشاعر الفردية. ساند هذا المذهب الطبقات الدنيا والكادحة بشكل خاص، لكونهم الاكثر معاناة في مجتمعهم الجديد الذي اصبح يرتكز على العلم والاقتصاد ورأس المال. ويشير النقاد الى ان نجاح الادب المسرحي كان محدوداً بالمقارنة مع الاجناس الادبية الاخرى كالرواية والقصة، لان النثر كان الانسب في سرد التفاصيل، ويعد الاديب (فريدريش هيبل) اكثر المسرحيين نجاحاً انذاك، وربما يعود السبب لارتباطه بثورة (مارس) وتبعاتها فجاءت مسرحياته كمرايا عكست تلك الاحداث لتبقيها خالدة في ذاكرة الامة .
