لوحات

الشرود عن القطيع..ماهية ثقافة القطيع وتأثيرها على صناعة الذات

نرمين فرحان – العدد 53

الاختلاف هو اساس التطور ودوران عجلة المجتمعات، ان الافكار القديمة والتقليدية دائماً تخلق مجتمعاً نامياً وبدائياً تسيطر عليه روح الجهل والتطرف والاستبداد لكن في الوقت ذاته فأن الافكار الجديدة غالباً ماتعاني من رفض ومعارضة شديدة وخصوصاً من قبل الاشخاص الذين دائماً حاولو ان يبقوا داخل القطيع وان فكرة الخروج عنه تمثل بالنسبة لهم الهلاك اي انها محكومة بثقافة القطيع. ولعل لوحة (الشرود عن القطيع)، وهي لرسّام بولنديّ اسمه (توماس كوبيرا) خير تمثيل لهذه السياسه، حيث يصور فيها بطريقة عميقة ماهيّة ثقافة القطيع وتأثيرها على صناعة الذات. القطيع في اللوحة يأخذ شكل طابور من البشر، ملامحهم زرقاء، كئيبة وهم أشبه ما يكونون بقوالب الثلج كناية عن أن نموّهم توقّف عند مرحلة او فكره معينه كما أنهم متشابهون وبلا ملامح نتيجة كون أفكارهم وعقلياتهم مقولبة ومسبقة الصنع. إن الشخص المندفع بقوّة إلى خارج القطيع. هذا هو التفصيل الذي يجتذب العين أكثر من سواه ومن المثير للانتباه أن الرسّام لوّنه بالأحمر، أو لونه يتحوّل إلى الأحمر لون النار ورمز التحدّي والتمرّد. الرجل إلى اليمين يظهر انه زعيم القطيع أو رمز السلطة حيث يجاهد مع زميله الآخر للإمساك بالرجل الخارج وإعادته إلى القطيع. الواقع أن فعله ليس فقط فعل خروج او شرود حركته حركة انشقاق أو انسلاخ في عنفها وقسوتها. شكل القطيع يشبه أمواج البحر ربّما قصد الرسّام أن يرمز به إلى طغيان القطيع وجبروته وقدرته على البطش بكلّ من يحاول الخروج عنه. هذه اللوحة عبارة عن دراسة رائعة عن الذاتيّة وعن بحث الإنسان عن وجه وهويّة ومحاولة الخروج عن المألوف عن السيطرة المفروضة على العقل والفكر في المجتمعات القطيعية. فلو تأملنا تعبيرات وجه الرجل، نلاحظ انها مليئه بالمعاناة والكبت الذي يعانيه الافراد بصوره قسرية في اغلب هذا المجتمعات عيناه تصرخان لكن روحه تقاوم، عينه مثبّتة على شيء يراه من بعيد، قد يكون حلمه الذي يريد بلوغة، توقه لأن يصبح إنسانا مختلفا ومتميّزا عن البقيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى