اضاءات روائية

الجريمة والعقاب … “أنا لم اقتل كائنا إنسانيا، انا قتلتُ مبدأُ”

عدسة الفن – ولاء علي                    العدد:48

أيكون جريمة قتل قملة قذرة ضارة، أو قتل عجوز لا يحتاج إليها أحد، مرابية تمتص دم الفقراء؟ ألا إن قتلها ليمحو أربعين خطيئة! لا أظن أن هذا الفعل جريمة، ولا أريد أن أتطهّر منه وأكفّر عنه. ليستِ العجوز شيئاً ذا بال. العجوز ليستْ إلا خطأ، ولكن القضية ليستْ قضية العجوز. العجوز ليستْ إلا مرضاً، وقد أردتُ أن أقفز فوق الحاجز وأن أتخطاه بسرعة، أنا لم أقتل كائنا إنسانيا، وإنما قتلتُ مبدأً.

رواية الجريمة والعقاب للرائع (فيودور دوستويفسكي) كتب روايته المذكورة بعد خروجه من منفاه في سيبريا، وتعد هذه الرواية من مراحلِ النضج الادبي لـ(دوستويفسكي)، نشرت اول مرة في الصحفِ على شكل مقالات ثم جمعت فيما بعد في كتاب من جزئين عام 1866 باللغة الروسية.
تدور أحداث الرواية في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية عن جريمة تحدث في احد الغرف على يد طالب جامعي اسمه (راسكولنيكوف) ذو الاصول البرجوازية، أراد (راسكولنيكوف) الخروج من وضعه المزري بضربة واحدة لامرأة هي ارملة لمستشار تعمل في الربا التي يرى ما الفائدة من انها بقيت حية او لا، فهي امرأة بلا وجدان وبلا ضمير. ترتكز الرواية على العزلة والاغتراب عن المجتمع. والاغتراب هو من المواضيع الاساسية لرواية (الجريمة والعقاب) حيث يرى (راسولنيكوف) انهُ متفوق على جميع الناس وهذا الفخر والغرور يعزله عن مجتمعهِ في غرفة قديمة تفتقر الى ادوات العيش خاصة في مجتمع الفقر المدق الذي عاشتهُ روسيا انذاك. وبعد ارتكابه لجريمة القتل تكبر لديه العزلة ويعتزل المجتمع، امه، اخته وحتى صديقه الوحيد بسبب الذنب ويدخل حالة من الهذيان والقلق والخوف .
لكن في نهاية الرواية يكسر (راسكولنيكوف) حاجز حب ألانا لديهُ الذي ابعده عن مجتمعه واحبائه حين يعترف لـ(صونيا) بحبه لها. لا يخفى على كل من قرأ رواية (الجريمة والعقاب) النواحي النفسية للجريمة والعقوبة المنتظرة التي ابدع (دوستويفسكي) بطرحها في الرواية. يصف الكاتب الجريمة بعد توضيح شخصية القاتل ومسببات الجريمة والظروف التي تؤدي اليها ثم بعد مئات الصفحات من الجزء الاول للرواية ترتكب الجريمة وفي نهاية الجزء الثاني يتم العقاب بالتحديد في الخاتمة. لكن الحبكة تكمن بين الجريمة والعقاب والناحية النفسية لمرتكب الجريمة. اي الصراع النفسي وما يحمله من العدمية واليأس والارهاق، التخمين، التردد، الخوف، الندم، اليأس والذنب، حيث يدخل (راسكولنيكوف) في حال من التدهور النفسي والصحي يصاب بالحمى الجسدية بعد جريمته ويدخل حالة من الهذيان والانهيار النفسي وبعد شفاءهُ منها تصبه الحمى في رأسه ويبدأ بالاشتباه بكل ما أمامه . هكذا هو القاتل الذي اراد الكاتب ايصال فكرة مقدار العذاب النفسي الذي يواجه المجرم.
أن (دوستويفسكي) أبدع في طرحهِ لسيكولوجية مرتكب الجريمة. ولايخفى الى كل من قرء ( ويقر كل من قرأ لدوستويفسكي) انه يبدع في تحليلهُ للشخصيات التي لا يتقبلها المجتمع ويضع الضوء حول الاسباب التي تؤدي بالشخص الى افعالهُ السيئة التي تنعكس بالسلب على المجتمع. حيث انهُ يجعل القارئ يقف عند كل سطر ليناقش المحتوى مع نفسه وافكارهُ.و تم أنتاج ثلاث أفلام عربية وبالتحديد مصرية مقتبسة عن رواية الجريمة والعقاب اولها يحمل نفس عنوان الرواية انتج سنة 1957 أخراج ابراهيم عمارة لكنهُ لم يدخل بفلسفة الرواية . والفلم الثاني بعنوان “سونيا والمجنون ” عام 1977 من أخراج حسام الدين وسيناريو محمود دياب الدين . صاحبهُ فلسفة عميقة . و أخيراً الثالث “فقراء لايدخلون الجنة” عام 1988 الذي ابتعد عن مغزى الرواية اراد المخرج اني يطرد فكرة انه اقتباس وبقي يلف ويدور في الفلم ولم يشفع للفلم سواء تمثيل البطل والموسيقى . واضافة الى العديد من الافلام العالمية منها فلندية وروسية ومسلسل تلفزوني وجميعها تحمل أسم
(Crime and Punishment).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى