سيرة فنان

إدوارد نورتُن…الوجه الفني لجيل ممثلّي القرن الواحد والعشرين

 اسل الصفار

هناك ممثلين ما أن تقرأ اسمائهم ضمن الكادر التمثيلي لفيلم معين حتى تشعر بأن الفيلم يحوي عنصراً رابحاً، ثقلاً فنياً، يدعوك لمشاهدته. ليس هناك ادنى شك بأن اسم (إدوارد نورتُن) هو احد تلك الأسماء، فهو ممثل مِن الطراز الرفيع، عطاءه عميق، غزير، مؤثر وعلى عدة أصعدة، ينتمي بسهولة لقائمة خلفاء اساطير السينما كـ(براندو) و(دينيرو).

نشأته
ولِد في مدينة بوستِن بولاية ماساشوسِتس الأميركية عام 1969 لوالد محام ووالدة معلمة، له أخ وأخت يصغرانه عمراً. درس بجامعة (Yale) ورث اهتمامه باللغات من والدته فأصبح ملماً باللغة الإسبانية، الفرنسية، واليابانية، والأخيرة تعلمها أثناء عمله كإستشاري بفرع شركة جده في أوساكا مباشرة بعد تخرجه من الجامعة.
حياته الشخصية
يعيش نورتُن في مدينة نيويورك، ويسعى جاهداً أن لا تؤثر الشهرة على حياته، لذا تجده يستخدم المواصلات العامة اثناء تنقله في المدينة العظيمة بشكل يومي، فيقول : ” لا يمكن لأحد أن يزعجني هنا، فهنا المكان الذي يستطيع أحدنا أن يعيش غير معروفاً الى الأبد”. أرتبط اسمه بالممثلة (سلمى حايك) لفترة، وأُطلِقت عنه عدة إشاعات تربطه بالمغنية (كورتني لوف)، ليرتبط أخيراً بشكل رسمي بالمنتجة (شونا روبرتسون) عام 2012 بحفل صغير سري.


له دور كبير بالأعمال الخيرية، كمشارك بماراثونات لجلب الإهتمام لقضايا اجتماعية او صحية، أو كمساهم فعّال بالجمعيات الخيرية المهتمة بالحفاظ على البيئة. لا يدخن ولا يحب التدخين، ولا يقوم بدور شخصيات تدخّن، معروف برفضه القيام بتمثيل شخصية (وورم) الذي يدخن بفيلم (راوندرز) حتى تم إعادة كتابة الشخصية ليظهر غير مدخناً.


علاقته مع اصدقائه
معروف باخلاصه وولائه لاصدقائه، فقد دعى الممثلة (درو باريمور) لتكون مصاحبته بحفل الأوسكار لأول أوسكار ترشح له وهي أول فنانة عمل معها في حياته بفيلم (لقطة صغيرة) عام 1975. انتج، أخرج، وشارك بكتابة النص السينمائي (إبقاء الإيمان) الذي كتبه صديقه (ستوارت بلموبرك) أيام الدراسة الجامعية. هو صديق مقرّب لزميله بفيلم (نادي القتال) الممثل (براد بِت)، وكان مِن قلائل المشاهير الذين دعاهم (براد) لحفل زواجه من الممثلة (جينيفر أنستون) عام 2000. ومُنقِذ لصديقه العزيز (ليوناردو ديكابريو) الذي كاد يغرق بالبحر لولا تدخّله باللحظة الأخيرة عند زيارتهما السياحية لجزر كاليباكوس. لا ينسى فضل أحد عليه، فهو يعيل حبه للفن الى مربيته (بيتسي ترو)، ونجاحه لمدرس التمثيل الدرامي (تيري شرايبر)، وقبل أعوام تبرع لإنشاء قاعة محاضرات ومسرح لمدرسته الثانوية (وايلدلَيك)، بمدينة كولومبيا/ولاية ميريلاند، والقى خطاباً يوم إفتتاحها وسمّى القاعة بإسم جده (جيمس راوس).


سيرته الفنية
بدأ حبه للفن واهتمامه بالتمثيل بعمر السادسة عندما أخذته مربيته (بيتسي ترو)، وهي ممثلة مسرحية ايضاً، لمشاهدة مسرحية (لو كنت أميرة). حب الفن التمثيلي الذي زرعته به مربيته دعاه للرغبة بالتمثيل منذ الصِغَر، و فاجأ، وهو بعمر الثامنة، مخرج مسرحية مدرسية عندما سأله: “ما هو الهدف الذي تود تحقيقه شخصيتي بالضبط ؟.”
فاز بعدها بجائزة التمثيل لدوره بمسرحية صغيرة اقيمت في مخيم لليافعين في (بريستول-نيو هايفِن) عام 1984.
شارك بتمثيل عدة مسرحيات أثناء دراسته الجامعية، شاركه ببعض منها زملائه الذين اضحوا ممثلين لاحقاً، أمثال (بول جياماتي) و(رون ليفنكستُن) أثناء عمله بعد التخرج، بشركة جده في اليابان، التقى بالمخرج والمعلّم (تيري شرايبر) الذي كان خرج مسرحية باليابان وعمل (نورتُن) كمدرس خصوصي باللغة اليابانية له، توثقت العلاقة بين الاثنين وأتفقا أن يتبادلا المعرفة، (نورتُن) يعلّم (شرايبر) اليابانية، و(شرايبر) يعلّم (نورتُن) التمثيل الدرامي.
هذه كانت نقطة التحوّل التي قرر على أثرها (نورتُن) إحتراف التمثيل، فترك العمل في اليابان وسافر الى نيويورك ليدرس التمثيل وليعمل كنادل لعامين حتى جذب إهتمام (إدوارد البيي)، أحد أهم الكُتّاب المسرحيين في القرن العشرين، الذي سأله أن يتقدّم لتمثيل دور بمسرحيته (فُتات)، تقدّم (نورتُن) لتمثيل الدور امام لجنة التحكيم وفاز بالدور فوراً ومِن المرّة الأولى.


كان عام 1996 هو العام الذي أنتقل بتمثيله للأداء السينمائي، أول اعماله كان بفيلم (الخوف البدائي) الذي قدّم به دوراً عميقاً صعباً، واصبح بصمته الفنية بالعديد مِن الأفلام لاحقاً، وحصل على ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل ثانوي بهذا الفيلم. وعمل بفيلمين آخرين ذلك العام، فيلم (الكل يقول إنني أحبك) مع المخرج الكبير (وودي آلن)، و فيلم (الناس ضد لاري فلِنت) للمخرج الكبير (ميلوش فورمان).
دارت العجلة معه ولم يكن هناك شيء ليوقفها، فقدّم عام 1998 أكبر أدواره، والذي يعد أحد أهم الشخصيات السينمائية بعقد التسعينيات، شخصية (ديريك ينيارد) النازي الجديد الذي يرعب مَن حوله بأقواله وأفعاله، ويمسك المشاهِد مِن كتفيه ويهزه كالزلزال صارخاً: “ها أنا” بفيلم (التاريخ الأميركي إكس) فكان عطاء متميزاً آخر، وترشح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل.


فلسفته وادواره الفنية
يتميز فن نورتُن بقابليته على تقديم الأدوار المعقدة والمركّبة بذات الوقت ويتبين هذا بوضوح بالعديد مِن افلامه مثل (الخوف البدائي)، (أوراق الأعشاب)، و(النتيجة)، اذ شاركه بتمثيل الأخير الأسطورتين (مارلون براندو) و(روبرت دينيرو)، وبلا مبالغة، بهذا الفيلم تفوق أداء نورتُن على ادائهما. يمكن أن يؤخذ ادائه لدور الغاضب كآية فنية يدرسها ويتعلم منها ممثليّ المستقبل، حيث يستغل قابليته الصوتية ولغة الجسد لتقديم جموح متصاعد ثائر كالبركان لا سبيل لكبحه. مشهد العشاء بفيلم (التاريخ الأميركي إكس) ومشهد محاورة المرآة بفيلم (الساعة الخامسة والعشرون) هما خير امثلة على ذلك. وصِف مِن قبل زملائه بأنه شديد التركيز، سريع التفكير وحاد الذكاء لا يرضى بشيء أدنى مِن الكمال، رغبته بتقديم الكمال أدّت به الى الإصطدام مع العديد من المخرجين، المنتجين، وأصحاب القرار بصناعة السينما في هوليوود، ووشِم بعبارة (ممثل صعب التعامل معه) كنتيجة.
لم يتعال على دور او على عمل فني ما دام هو مقتنع به، فنجده بدور البطولة بفيلم (التاريخ الأميركي إكس)، وبدور ثانوي صغير بفيلم (فريدا)، دور البطل الهمام بفيلم (التنين الأحمر)، أو دور الخائن الوضيع بفيلم (العملية الإيطالية.(


نجده بأفلام الميزانيات الهائلة كفيلم (هالك العجيب)، وبالأفلام ذات الميزانية المتواضعة كفيلم (عند اسفل السهل). وكذلك بالأعمال الدرامية الحزينة كفيلم (الحجاب المرسوم)، والأعمال الكوميدية الساخرة كفيلم (فندق بودابِست الكبير)، بعض أفلامه وحيدة منفردة تبدأ وتنتهي عند بدايتها ونهايتها كفيلم (كبرياء ومجد)، ومنها مَن هي جزء مِن سلسلة كفيلم (ميراث بورن). هو إنتقائي للأدوار التي يؤديها بغض النظر عن ضخامة إنتاجها والأسماء المشتركة بإنتاجها، فهو معروف برفضه الإشتراك بدور الجندي رايان بفيلم (إنقاذ الجندي رايان) للمخرج الكبير (ستيفين سبيلبرك)، وأنسحب مِن فيلم (حرب هارت) الذي كان سيشارك بطولته مع الممثل الكبير (بروس ويليس).
فلسفته المهنية: ” أنا غير مهتم بعمل أفلام يعجب بها الجميع، يعجبني أن أعمل أفلاماً تعجبني وتعجب أصدقائي والناس الذين يشاركوني ذوقي”، لم يقتصر إبداعه على التمثيل فقط، فهو كاتب سيناريو، مخرج، ومنتج.
شارك بكتابة سيناريو فيلم (إبقاء الإيمان) وقام باخراجه وفيلم (فريدا)، وشارك بإنتاج خمسة مِن أعماله، وعملين لا يمثل بهما. قال واصفا فلسفته عن سيرته الفنية: “هو موقع جيد حيثما أنا الآن. أنا محظوظ”.
الجوائز
لديه في جعبته السينمائية إثنين وثلاثين فيلماً على مدى إثنين وعشرين عاماً، ترشح مِن خلالها لثلاث جوائز أوسكار (إثنان منها قبل سن الثلاثين، وأحدها لأول عمل سينمائي له)، جائزتين من أكاديمية الأفلام البريطانية (BAFTA) وجائزتي غولدن غلوب فاز بواحدة منها كأفضل ممثل مساعد بفيلم (الخوف البدائي). لـ(إدوارد نورتُن) قابلية تمثيلية حقيقية، طبيعية، لا تنضب. يجنّدها بأدوار يجد فيها مجالاً لترك بصمة فنية معينة يختارها وينتقيها بذكاء لغرض الفن أولاً، والأمور الأخرى لاحقاً. ونجد أنفسنا، عند مراجعة سيرته الفنية للعقدين الماضيين، شهود على صِحة إختياره هذا الطريق كمشاهدين، هواة، ومعجبين به فناناً وليس ممثلاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى